بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

مصر… عن الجرائم الطائفية ومسؤولية الأغلبية المسلمة

كثيرا ما يحزن القلب بسبب متابعة السياسة وأحوالها في مصر، وينهك العقل بلا جدوى بحثا عن مخرج من الأفق المسدود. اليوم، ليس في الحزن والإنهاك في أعقاب الجرائم الطائفية المتكررة سوى استزادة بائسة من معين مجتمعي أسن مائه وفسد هوائه ونزعت الإنسانية عن المتصارعين عليه.
اليوم، نصطدم مجددا بإخفاقنا في بناء مجتمع المواطنين المتساوين وبجل ما يترتب على هذا الاخفاق من تحريض طائفي ضد الأقباط وترويج كارثي لخطابات التطرف الإقصائية وتقاعس الأغلبية المسلمة عن القيام بواجبها كضامنة لتماسك النسيج الوطني وسلبية السلطوية الحاكمة لجهة مواجهة التمييز ضد الأقباط.
اليوم، قد نستسلم للمقولات والممارسات التحايلية التي دأبنا على إعادة إنتاجها وتفعيلها كلما سالت دماء في جرائم طائفية وعنف طائفي. قد نركن إلى احتفاليات الوحدة الوطنية، وقبلات القساوسة والشيوخ، وأحضان البابا والإمام الأكبر. ربما سنصدق من يصخبون في الفضاء العام بحديث عن أخوة المسلمين والأقباط على الرغم من كون البيئة المجتمعية الراهنة جردت الأخوة هذه من معظم مضامينها واستبدلتها بواقع معاش الاعتيادي فيه أن لا يلتقي أحمد بجرجس إلا فيما ندر.
أما إذا ابتعدنا كمصريات ومصريين عن الارتكان إلى احتفاليات الوحدة الوطنية وعن الاستسلام إلى خطاب «أخوة أحمد وجرجس» التحايلي وعن التعامل الإنكاري مع التمييز، سنجد أنفسنا أمام بيئة مجتمعية وسياسية لا تكفل من جهة للأقباط حريات دينية مساوية لحريات المسلمين وتضيّق عليهم في ما خص بناء الكنائس وصيانتها. سنجد أنفسنا أمام أعمال عنف طائفي متزايدة ضد المواطنين الأقباط وضد دور عبادتهم وممتلكاتهم، وسنتثبت في ذات السياقات البائسة من تقاعس المؤسسات والأجهزة الرسمية المخولة مساءلة ومحاسبة ومعاقبة المتورطين في أعمال العنف عن التطبيق الناجز للقانون. والحصاد المر هو انطباع كارثي مؤداه في الحد الأدنى أن كلفة الاعتداء على الأقباط ودورعبادتهم ليست باهظة، وفي حده الأقصى تصوير إجرامي لهم «كفريسة مشروعة» للعنف والتحريض الطائفي. سنجد أنفسنا أمام سلطوية حاكمة عاجزة عن أو غير راغبة في دفع السلطة التشريعية التي تسيطر عليها إلى إصدار قانون موحد لدور العبادة، ووضع حد للقيود المفروضة على حريات الأقباط الدينية. كذلك تتعامل السلطوية مع التهميش السياسي للأقباط ومحدودية تمثيلهم في الأجهزة التنفيذية والإدارية والأمنية وكأنه واقع غير قابل للتغيير.
وكما تعجز السلطوية الحاكمة عن مواجهة التمييز ضد الأقباط وتستسيغ استمراره، يتقاعس المجتمع بفاعلياته المختلفة عن التعامل الجاد مع هذا التمييز ويسمح من ثم بتماديه وبلوغه حد تعريض إنسانية وتماسك النسيج الوطني إلى خطر عظيم. والأمر هنا أن المكون الأساسي في مسؤولية المجتمع يقع على عاتق الأغلبية المسلمة المنوط بها، ومنذ قيام الدولة الحديثة في مصر، الحفاظ على قيم التنوع والتسامح والعيش المشترك والانفتاح الإيجابي على الأقباط والأقليات الأخرى بحماية أمنهم وضمان تساويهم في الحقوق والحريات والواجبات وبرفض التمييز ضدهم أو اضطهادهم. غير أن الأغلبية المسلمة، وباستثناء بعض المبادرات الأهلية الإيجابية، تبدو أيضا عاجزة عن أو غير راغبة في الاضطلاع بدورها المجتمعي كحاضنة للأمة المصرية وضامنة لتماسكها.
قطاعات واسعة بين المصريات والمصريين، وفي ظل نزوع ديني غير مسبوق، تفترسها اليوم خطابات التطرف الإقصائية التي يروج لها في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة من دون ضوابط. 
والقابلية للشحن الطائفي، من مدينة الإسكندرية ذات الماضي الكوزموبوليتي والتنوع الديني والعرقي إلى محافظة المنيا في صعيد البلاد التي شهدت الكثير من الجرائم الطائفية الأخيرة، في تصاعد مرعب. ثم يتعجب ويمتعض ويحاجج مروجو ومتلقو خطابات التطرف حين تنتشر بين الأقباط خطابات إقصائية بديلة تواجه التحريض والتمييز «في مصر بلدنا وأنتم ضيوف علينا» وتقارع التشكيك في المقدسات المسيحية بتشكيك مماثل في مقدسات المسلمين.
إذا ما أردنا خلاصاً حقيقياً لمصر من الجرائم الطائفية وخطر العنف الطائفي ورغبنا في استعادة إنسانية نسيجنا الوطني بتغيير الوضعية الراهنة للأقباط كمواطنين من الدرجة الثانية وتجديد تماسكه على نحو يعيد إلى «أخوة أحمد وجرجس» المحتوى والمضمون المجتمعي الذي جردت منه، لا بديل أمام السلطوية الحاكمة وعلى المدى الزمني القصير سوى إدخال التعديلات القانونية (قانون دور العبادة الموحد، إلغاء خانة الديانة من بطاقات الهوية، وغيرها) والسياسية والإجرائية اللازمة لضمان أمن الأقباط وكفالة حرياتهم الدينية وتحسين نسب تمثيلهم في الأجهزة التنفيذية والإدارية والأمنية. أما الأغلبية المسلمة فعليها استعادة ماضي تسامحها وانفتاحها على الأقباط والتزامها بالشعار الخالد للوطنية المصرية «الدين لله والوطن للجميع» وترجمتها في البيئة المجتمعية فعلا جمعيا صريحا ومنتظما يرفض التمييز ضد الأقباط ويضيق الخناق على دعاة الطائقية ومروجي خطابات التطرف الإقصائية.

*عمرو حمزاوي كاتب من مصر- القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق