بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

خريطة الطريق السودانية اختبار جديد للهشاشة!

التوقيع على «خريطة الطريق» بين الحكومة السودانية ومجموعة أحزاب «نداء السودان» (الحركة الشعبية، حزب الأمة، حركات دارفور) الذي جرى مؤخراً في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، يوم 8/8/2016، ربما كان دليلاً مضافاً على تعب الحرب من الحرب في السودان، أكثر منه مناسبةً سياسية لتسوية قضايا السلام والديموقراطية في ذلك البلد.
ففي غياب مؤشرات تحول جوهرية في ميزان القوى بين الطرفين، وفي ظل انكفاء قواعد تلك الأحزاب إلى يأس شبه مطلق من جدوى السياسة، بدا واضحاً أن ثمة ترتيبات خارجية انعكست مفاعيلها على مسار خريطة للطريق، هي أشبه بعملية مقايضة جلبتها لعبة المصالح الدولية من خارج حقل السياسة إلى داخل نفق التسويات المؤجلة بين الطرفين، ونتيجة لضغوط عارية تماماً عن أي حيثية قوية لصناعة السلام في خيارات الطرفين أيضاً!
وعلى نحو ما اعترف أحد قادة حركات دارفور الموقعة على خريطة الطريق، مِنِّي مِنَاوِي، لصحيفة «ألوان» السودانية، بعد توقيع خريطة الطريق، بـ «وجود دوافع دولية من التوقيع أكثر من كونها محلية»، فإن ما بدا عاراً مستتراً في بعض الاتفاقات السرية للاتحاد الأوروبي مع نظام الخرطوم في أيار (مايو) الماضي (وهو ما نفاه وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور آنذاك في تصريحات لصحيفة «الحياة» في 22/5/2016) حول ملفات الإرهاب ومكافحة الهجرة السرية وتهريب البشر لقاء دعم مالي وأجهزة من الاتحاد الأوروبي، كان هو الوجه الآخر للطبيعة السياسية التي كانت عليها خريطة الطريق كثمن لتلك المقايضة الأوروبية مع نظام عرف بتاريخه غير المشرّف وعلاقاته المريبة بإرهابيين دوليين كبن لادن وكارلوس.
هكذا كان التقاء مسارات العجز السياسي للقوى السودانية، حكومةً ومعارضةً (بعد فشل اتفاقية نيفاشا في 2005 وانفصال الجنوب في 2011) على خريطة الطريق الأخيرة في أديس أبابا بمثابة اختبار لمسار جديد للهشاشة.
فالنظام الذي أصبح عاجزاً عن تفكيك نفسه بعد أكثر من ربع قرن شهد فيه السودان انقساماً وحروباً أهليةً وفساداً عريضاً، بدا شبيهاً في مأزقه بالحركة الشعبية في الشمال التي أصبحت، هي الأخرى، عاجزة عن فك ارتباطها بدولة الجنوب من ناحية، وعن تحولها من حركة عسكرية إلى حزب سياسي بعد انفصال الجنوب من ناحية ثانية، فيما بدا الصادق المهدي عراباً سياسياً للنظام والمعارضة معاً، لا سيما بعد غياب صهره اللدود الدكتور حسن الترابي عن مسرح السياسة السودانية.
هكذا، في غياب سوية سياسية جادة نحو خيارات السلام والديموقراطية، من خارج تلك الضغوط الغربية، يتجلى بوضوح أن تلك المآزق التي تكبل قوى الحكومة والمعارضة عن اجتراح حلول ذاتية خلاقة للأزمة السودانية هي نفسها ما يمكن أن يزيد من تعقيد أزمات السودان ومن تفاقمها.
ذلك أن ما يدفع اليوم إلى توقيع خريطة الطريق الجديدة بين المعارضة والنظام، إلى جانب الأسباب الخارجية، هو أحد أشكال الفراغ السياسي في السودان وما تكشَّف عنه من تجريف لبنية الحياة الحزبية والسياسية على مدى 25 عاماً، وهو ما دل كذلك على انكفاء قواعد تلك الأحزاب نحو عدمية سياسية لن تكترث لتأبيد حزب المؤتمر الوطني لقواعد سلطته في السودان بعد توقيع خريطة الطريق.
لن تضيف نتائج توقيع خريطة الطريق شيئاً، ولا يمكنها أن تسجل اختراقاً نحو السلام والديموقراطية لأن النظام اليوم، في موازاة قدرته المتجددة على تسويق التفاهة السياسية في الداخل، أصبح مولعاً بكل ما يلمّع صورته الخارجية حتى لو بدا ذلك التلميع زائفاً ومفضوحاً (على ما دلت صورة لرأس النظام وهو يحمل قميصاً مزيفاً للاعب الأرجنتين الدولي ليونيل مسّي إلى جانب سيدة أوروبية محتالة).
بطبيعة الحال، لا شك في أن في كل تسوية سياسية أملاً جديداً بوقف الحرب، لكن في ظل تجارب مخزية لعشرات الاتفاقات الهوائية الصغيرة والكبيرة لنظام الخرطوم منذ أكثر من عقدين، مع عشرات الحركات السياسية والعسكرية والمناطقية والإثنية، لا يبدو ثمة أمل في وعود النظام واتفاقاته المجرَّبة.
فاليوم، لا الظروف الدولية، ولا قوة المعارضة السودانية، ولا الضغوط الإقليمية، تسمح بمناخ وترتيبات كالتي سبقت اتفاقية نيفاشا في 2005. شخص واحد في الخرطوم ربما كان أسعد الناس بتوقيع خريطة الطريق هو كمال عمر الأمين العام السياسي للمؤتمر الشعبي (حزب الراحل حسن الترابي) لأنه سيكون أكثر ثقة بنبوءة شيخه الترابي (جنبلاط السياسة السودانية) الذي طالما كان يرى في استباق حزب المؤتمر الشعبي منفرداً التسوية مع النظام مقدمة أكيدة لالتحاق قوى المعارضة الكبرى بقطار التسوية الهش. وهذا ما حدث بالضبط في خريطة الطريق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق