بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 أبريل 2015

قلق من حرب اليمن وتجربة عصرين مختلفين ومسارين متعارضين محمد عبد الحكم دياب

«عاصفة الحزم» تقلق كثير من المصريين، وهو قلق مشروع؛ يقر بتغير العصور والأزمان، فستينات القرن العشرين غير العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.. وبينهما مساحة زمنية تتجاوز نصف القرن، بدأتها مصر بعصر كان عنوانه «التحرر والاشتراكية والتنمية المستقلة وتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية»، وكان على من يريد التعامل معها أن يذهب إلى ذلك العنوان، وحين ثار اليمنيون في 1962 لم يخطئوه، فقد كان معروفا لمن ينشد الانعتاق والتحرر والتقدم، وحملتت اللافتة الدالة عليه اسم «الجمهورية العربية المتحدة».. وقتها كانت الجزائر تستعد لجني ثمار تضحياتها وكفاحها الطويل، وعلى بعد لحظات من توقيع اتفاقية «إيفيان» لتحصل على صك التحرر من الاستيطان الفرنسي، الذي دام مئة وثلاثين عاما، وإنجاز ثورة استمرت ثمان سنوات؛ بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية؛ قدم فيها الجزائريون أكثر من مليون شهيد، وكانت عدن والجنوب المحتل مشتعلة بالثورة والمقاومة ضد الاحتلال البريطاني. 
كانت مصر تعيش تحولاتها الكبري، وبدأت المرحلة الأولى في بناء السد العالي، وتنفذ أول خططها الخمسية لمضاعفة الدخل كل عشر سنوات، وتجني ثمار التصنيع والإصلاح الزراعي والمشروعات الكبرى والتعليم والخدمات الصحية المجانية؛ ليتغير شكل ومعنى الحياة الجديدة، وتنتعش الطبقة الوسطى وتتحرر طبقات وشرائح الفلاحين والعمال والحرفيين والصيادين وصغار الكسبة؛ ممن عانوا من عبودية الإقطاع ووطأة الاستغلال الرأسمالي، وكان اليمن يعيش حالة ما قبل العصور الوسطى.
سبقت ثورة 26 أيلول/سبتمبر 1962 اليمنية توترات ومعوقات فاجأت المنطقة؛ منها قرار الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم بضم الكويت عام 1961، وتدخلت قوة عربية تحت إشراف جامعة الدول العربية؛ مكونة من مصر والأردن والسعودية وتونس والسودان لتقف في وجه القوات العراقية، وفي نفس العام وقع انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، وترتب عليه انسحاب القوات المصرية من الكويت. واستُغِل الانفصال كفرصة مواتية لاصطياد مصر، وشنت القوى الانفصالية بقيادة المملكة السعودية حملة ضروس، كان ميدانها اجتماع المجلس الوزاري للجامعة في 22 آب/أغسطس 1962 بمدينة شتورا اللبنانية، لبحث ما وصف بأنه «شكوى سورية» ضد مصر. وتجاوز ذلك الاجتماع كل الخطوط الحمراء في حملات التشهير. وفي وقت فشلت فيه الجهود السعودية لاستمالة الراحل عبد الحميد السراج؛ مسؤول المكتب الثاني (المخابرات) في الإقليم الشمالي؛ نجحت في تجنيد زغلول عبدالرحمن؛ الملحق العسكري المصري في بيروت، واستخدم في حملة التشهير، ووصل الأمر حد التهديد بتوجيه ضربة للقاهرة، بعد نجاح ضربة دمشق وانتزاعها من دولة الوحدة!!.
بعد أسابيع قليلة قامت ثورة اليمن، فأذنت بانقلاب الموازين السياسية والإقليمية لصالح الجمهورية العربية المتحدة. وبادر ثوار اليمن بقيادة عبد الله السلال بطلب مساعدة القاهرة لمواجهة فلول أسرة حميد الدين، وكان على القاهرة أن تلبي؛ فتنسجم مع مبادئها في مساندة الثورات وحركات التحرر العربية والإفريقية والآسيوية، وتستجيب لمصالحها، وتتفادى الحصار الذي كان يعمل على إحكامه المحور البريطاني الأمريكي الإيراني السعودي في ذلك الوقت، ونقل المعركة بعيدا عن حدودها.. وقدمت مصر المساعدات الاقتصادية والمالية والعسكرية المطلوبة.
وقدمت شهداء؛ يُقدر عددهم بحوالي خمسة آلاف شهيد، وقد كرموا في أكبر مقابر شارع الدفاع بالقرب من مقبرة «خزيمة» بصنعاء، وهذه التضحيات التي اختلط فيها الدم اليمني بالدم المصري» أدت إلى نجاح الثورة واستقرار نظامها الجمهوري الجديد، وانهت حكم أسرة حميد الدين. ثم تحققت وحدة اليمن شمالا وجنوبا.
وعلى المستوى العسكري حقق التعاون المصري اليمني حقق أهدافا استراتيجية نوعية فى حوض البحر الأحمر، ساعدت في انتصار 1973، واستخدام مضيق باب المندب في حصار الدولة الصهيونية، ورغم التحديات أثبتت الجندية المصرية قدرتها على العمل في ظروف صعبة؛ بعيدا عن أراضيها وفي طبيعة مغايرة لطبيعة التضاريس والأراضي المصرية. ذلك عصر طواه النسيان، ووجد من يمحو من ذاكرة التاريخ، حتى فرضت الأحداث نفسها، وأصبح اليمن مسرحا وهدفأ لغارات جوية مكثفة ينفذها تحالف من عشر دول عربية وإسلامية؛ بقيادة المملكة العربية السعودية، وتحولت عداوات الأمس إلى صداقات اليوم.
و«عاصفة الحزم» تبدو عبثية، ومفتوحة على كل الاحتمالات، وبدا فيها صقور السعودية على إصرارهم بتطوير القصف الجوي إلى تدخل بري تكون فيه مصر رديفا لعمليات داخلية ذات مذاق مذهبي مر، ومغطاة بسحب طائفية سوداء. وإن كانت القاهرة -رسميا- ترى مصلحتها في الوقوف مع زملائها في الجزيرة العربية والخليج، فمن الصعب أن تجد رأيا عاما قويا مساندا لمحاربة إيران على أرض اليمن. وكما استخدمت إيران قواها الناعمة في ترويض الشيطان الأمريكي، فلنتعلم منها بما نملك من أوراق؛ أتصورها تفوق الأوراق الإيرانية؛ لكن اعتياد التفريط والتنازل لشياطين الأطلسي يحول دون ذلك.. وسوف يكون من الصعب على الرئيس السيسي المشاركة في معركة برية وقواته مشغولة في سيناء وعلى الحدود الغربية بجانب عملها كظهير للشرطة في مواجهة إرهاب الداخل.
صحيح أن صقور السعودية يملكون القرار بعد رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهم معروفون بخشونتهم في معالجة الخلافات البينية مع الأشقاء والجيران.. ونوهنا في مقال السبت الماضي إلى إمكانية «التعويل على دور مصر؛ بمعاونة القابلين به في ترشيد السياسة السعودية» ليكون الخيار العسكري خيارا اضطراريا بعد استهلاك الخيارات الأخرى؛ سياسية ودبلوماسية واقتصادية. ونعود وننصح بعدم التورط في عمل بري؛ تزكيه وتؤيده الإدارة الأمريكية، التي تكيل بعدة مكاييل، فتقبل التفاوض توسلا لحل مع إيران، وانتظرت إثني عشر عاما؛ بالتهديد والمناورة والمراوغة والتفاوض.. فلماذا يندفع صقور السعودية إلى هذه «المقتلة» البرية، وعلى مصر أن تغلب لغة المصالح وحسن الحوار، ولا تتزلق في تصفية حسابات لا تمت لها بصلة، ولا تنجر إلى أحقاد مذهبية وطائفية حرقت أكثر من نصف المنطقة وتقول هل من مزيد؟!
أغلب الحكام العرب لا يفهمون أبجدية شعوبهم، ولا يعلمون عن رموز (شفرات) رسائل مواطنيهم شيئا.. وأزمة أغلب أصحاب القرار في مصر، هي انهماكهم في طلب المال وعقد الصفقات، والمشروعات الخدمية ذات العائد السريع، وأتوقع أن يضربون «أخماسا في أسداس»، إذا ما طلب صقور السعودية ودائعهم لدى «البنك المركزي المصري»، فما زالوا لم يستوعبوا أن المال لم يكن يوما مشكلة مصر.. ولنضرب المثل بما حدث بعد نكسة 1967؛ خرجت نساء مصر قبل رجالها بما يملكن من مصاغ وحلي، حتى الصبايا الصغار ضحين بزفافهن و ذهبن بهدايا الخطوبة والعرس المنتظر، وقررن أن مهرهن هو النصر وانتظرنه ست سنوات لم يشكين من ضيق أو يشعرن بضجر.. إنه مخزون في اللاشعور الوطني تستدعيه الأزمات والمحن، وهو الذي يُخرِج مصر دائما من عثرتها.
لقد جرب الرئيس السيسي هذا المخزون مرة واحدة مع مشروعه؛ قناة السويس الجديدة، وطلب من المصريين «مالا» فجمعوا له أكثر مما طلب في زمن قياسي (ثمانية أيام فقط)؛ جمعوا 64 مليار جنيه، وعوملوا وكأنهم ذهبوا لإيداعها في مكاتب توفير البريد كـ»شهادات استثمار». وحرموا من ملكية سهم واحد في قناة قيل أنها لهم؟!، والسؤال من سيشتريها بعد أن دفع المصريون أضعاف ما طلب منهم.. ومن المتوقع أن تباع لأباطرة المال الحرام وأطقم الخصخصة المتربصة والمستعدة للانقضاض.. ولو جرب السيسي مرة أخرى وطلب من الشعب مالا لتعويض سحب الودائع السعودية.. فالشعب مستعد وسوف يضحي حتى لو اكتفى بوجبتين بدلا من ثلاث وجبات يوميا، وهذا ما لا يستوعبه حكام ومقاولو وأثرياء الأموال مجهولة المصدر، فالشعب يتحمل ويضحي كي تظل رأسه ورأس بلده عالية ومرفوعة، وإذا غضب فعلينا اتقاء شر غضبه!!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق