بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

◘ بوابة القمر وباب الشمس - سمير عطا الله

من أحمد شوقي إلى أمين نخلة، الذي ادّعى أنه ولاَّه من بعده على إمارة الشعر، كان الشعراء يتقبّلون الربيع بالقصائد. تقول العرب «حل» الشتاء، وتقول «أطل» الربيع، فتى الفصول. وكانت الحضارات القديمة تحتفل به تحت أسماء مختلفة، جميعها يرمز إليه. خطر لي أن أكتب في الموضوع لأن الربيع صار يتيمًا بين يتامى العرب. يطل ولا تنتبه إليه. وكيف لنا أن نلمحه؟ لقد صرنا نخجل به وكأنه عتم الشتاء. ومن لم يعِش في القرى لا يمكنه أن يتخيل كلحة الليل في الشتاء. وقد تسللت إلى قريتي أمس، كمن يرتكب ذنبًا، لكي أتفقد الربيع: سجاد الأقحوان وعطر الوزّال وبراعم التفاح، ومن لا يزال يجرؤ من الطيور على عبور أجوائنا في الطريق إلى دفء آمن.
صار اسم الربيع مخيفًا وغير آمن مثل أي شيء آخر. حولناه إلى لعنة وفوضى وخراب بلا نهاية وبلا حدود. استبدلنا بديكتاتورية الفرد ديكتاتورية الجماعات، وبالعنف الرسمي العنف الثوري. ما إن «أطل» الربيع العربي حتى ساد الظلام والحلكة الكلية. كان للإسكندرية القديمة بوابتان: بوابة القمر وبوابة الشمس. المهم هو النور الدائم. وقُسِّمت اللغة إلى أحرف شمسية وأحرف قمرية. وبهذه اللغة تصدر اليوم صحف لم يعرف مثلها أي عصر انحطاطي قبل اليوم. وتقوم «مدارس» تعلم أن النور يضيء طريق جهنم. وتسمح «السوق الإعلامية» لنفسها بسلوك فاضح لم تصل إليه أي سوق أخرى.
الهرب إلى الطبيعة أجدى من البقاء في عبث الأيام وخبث الأزمان: الفلسطينيون في مخيم اليرموك لم يعودوا يعرفون أي جحافل ستعذبهم وتتركهم يموتون جوعًا. الجيوش العربية الكبرى تستنجد بالميليشيات من أجل أن تحرر مدينة «صلاح الدين». الحوثيون بدأوا التظاهر ضد الغلاء ورفع الدعم، وانتهوا يحتلون الثكنات والعاصمة، ويتجهون نحو عدن وعنق مصر والخليج في باب المندب. ومستشار روحاني يباهي بأن البحر الأحمر والمتوسط الأزرق صارا في قبضة إيران وعاصمتها بغداد. وبهلوان الإنسانية في موسكو يطلب هدنة سمحة في اليمن. لم يطلبها مرة في سوريا، ولا انتبه إلى حال مخيم اليرموك أو إلى زوال حمص، لكن فؤاده تحرك لغثيان علي صالح. ولم تتوقف «منتديات» (أجل، منتديات) موسكو عن البحث في الأزمة السورية. وهيّه هيّه، أنت، أجل أنت، دي ميستورا، ماذا حل بك أنت وهدنة حلب؟ أي كذبة؟ أي حلب؟. لقد ذكَّرتنا بمهمة اللواء الدابي في حمص. جاء سيادته إلى المدينة، وبعد أيام لم يعد هناك دابي، ولا حمص. لا نعرف لماذا لا يذهب مبعوثو الأمم المتحدة في إجازة طويلة، فكلما دخلوا نزاعًا صغيرًا تحوَّل إلى عدم كبير. هدنات جمال بنعمر في اليمن مثل هدنات الدابي في حمص. كل وساطة تنتهي بالانتقال من معركة إلى حرب، ومن دمار صغير إلى ركام كبير.
وموسكو توجّه الدعوة إلى أمرين ملحّين: منتدى في موسكو لتفسير مقررات المنتدى السابق في شأن المنتدى الذي سبقه، وإلى هدنة إنسانية في اليمن، يترك تفسير البنود الإنسانية فيها للشيخين الكريمين عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق