بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

النــــأي ليس حياداً ! - خالد الأشهب

قبل أيام قليلة .. وحين خرج الرئيس باراك أوباما ليعلن للأميركيين التوصل إلى صيغة أولية لاتفاق نووي مع إيران , قدم الرجل مرافعة قانونية وواقعية جادة وخالية من التبجح والتواضع معاً ,
ورغم كل ما أراه في إدارة أوباما وغيرها من الإدارات الأميركية المتعاقبة من انحياز واضح لإسرائيل وعداء متواصل للعرب , إلا أنني رأيت في الرجل ذلك اليوم صوت العقل والمنطق الذي يضع الناس مباشرة أمام الحقائق وأمام مسؤولياتهم تجاهها .. ولو كانت صادمة وغير متوقعة من قيادات سياسية اعتادت الكيل بمكيالين في علاقاتها مع الآخرين !‏
أمس قرأت الرئيس أوباما بالطريقة ذاتها في مقابلته مع النيويورك تايمز حين تحدث عن الدول الحليفة لأميركا في المنطقة العربية , وأوحى الرجل إلى المحميات الخليجية إيحاء بالقول : « إن هذه الدول تواجه أخطاراً خارجية ، لكن ثمة أخطاراً داخلية لا تقل عنها خطورة ، وتتمثل في الشعوب التي قد تشعر بالغضب لانتهاج بعض الإيديولوجيات « وأضاف أوباما « كما تتحمل أمريكا مسؤولية دعم حلفائها عسكريًا ضد التهديدات الخارجية ، فإنه من مسؤوليات هذه الدول أيضًا تقوية البنيان السياسي الداخلي لها ... كي لا يكون داعش الخيار الوحيد « !!‏
تلك عودة إلى المربع الأول في ذلك النقاش الذي بات سفسطائياً إلى حد كبير , أي لماذا تواصل أميركا دعم وحماية أنظمة متخلفة بدائية لا يراها الرئيس أوباما أهلا لقيادة شعوبها , بل لماذا أوصلت أميركا هذه الأنظمة , بالحماية والرعاية , إلى ذلك الحد من الشعور بالطمأنينة والأمان ... وربما التمرد , إذا كانت تعتقد حقاً كما قال أوباما , أن ثمة أخطاراً داخلية تتهددها من شعوبها ومن الأيديولوجيات التي تنتهجها والتي لا توصلها إلا إلى داعش ؟‏
لا يمكن للنأي الأميركي هنا عن استمرار تحمل عبء الدعم والحماية لهذه الأنظمة أن يكون حياداً عادلاً ومنطقياً, إذ لطالما تحملته أميركا برضا نفس وخاطر ولعشرات السنين منذ قيام تلك الأنظمة .. وكانت تلك التهديدات الداخلية قائمة ومستمرة , وإذ لم تعتد هذه الأنظمة من أميركا إلا الدعم والحماية .. ومن أصعد الجمل إلى السقيفة – على طريقة نبيل فياض – عليه هو إنزاله !‏
وإذا كان النأي الأميركي هذا عزز تمرد هذه الأنظمة على داعميها وحماتها , في تمويل الإرهاب وتسليحه وتمريره إلى سورية والعراق لقتل شعبيهما وتخريب حضارتيهما , فإنه لا يعفي أميركا من مسؤولياتها المباشرة والجسيمة في ما يجري في سورية والعراق .. مسؤولية المعلم الذي لقن الدروس لتلاميذه وعلمهم فنون الغدر والعدوان والكيل بمكيالين , بل أوهمهم طيلة الوقت أنهم حلفاء على التوازي مع أميركا ؟‏
لا يمكن لأميركا أن تغسل يديها هكذا فجأة , وأن تتنصل مما ارتكبه حلفاؤها من أنظمة الخليج وغيره .. وهي حتى اللحظة قائدتهم ومعلمتهم ومثلهم , ولا يمكن للرئيس أوباما أن يتعذر بمسؤوليات الآخرين ليطمس مسؤولياته .. إذ يداه أوكتا وفوه نفخ !!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق