بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 9 أبريل 2015

◘ طرق صيد الثعالب! - جاسر الجاسر

أكثرها احتفالية وبهرجة هي الطريقة البريطانية، إذ يتداعى الأصدقاء على صهوات جيادهم مستخدمين الكلاب لملاحقة الثعلب لكشف مكان اختبائه ثم الانقضاض عليه، أما أكثرها قوة وعنفواناً وسطوة فهي لدى كازاخستان التي يستعين صيادوها بالعقاب لينقض من الجو كطائرة نفاثة دقيقة فينشب مخالبه في رقبة الثعلب غارزاً منقاره خنجراً حاداً. في بعض دول الخليج كانوا يقدمون له طعاماً مخلوطاً بقطع الزجاج، وهي طريقة قد لا تقضي عليه لكنها تبعد أذيته عن حيواناتهم.

الثعلب عاش في ذاكرة كل المجتمعات، تقريباً، عدواً وخصماً فهو يقتنص الحيوانات الأليفة من حظائرها أو منطقة رعيها ليحرم أصحابها من غذائهم ومصدر معيشتهم، ومع ذلك فإن له من الإعجاب نصيب بسبب مراوغته وحيله وعدم نمطيته كما هو حال الحيوانات الأكثر شراسة ومواجهة، لكن من دون احترام، خصوصاً العرب الذين يرونه خسيساً في طرائقه المتنافية مع ميلهم للشجاعة والوضوح والمباشرة.

يبحث المؤلف مارتن والن في كتابه «الثعلب» (من إصدار هيئة أبوظبي للثقافة والتراث) طبيعة هذا الكائن التي جعلته مخلوقاً بغيضاً لدى الإنسان، ويرى أن كل التصنيفات تعود «إلى ميل الثعلب للإخلال بالنظام السائد، ورفضه الانصياع إلى تعريفنا المنهجي للطبيعة، وتعود أيضاً إلى تقليد قديم ينظر إلى الثعلب ككائن خبيث وشرير»، وهو ما يتفق مع وصف الكونت جورج لويس بوفون الذي يقول إن الثعلب «يعتمد على الذكاء أكثر من الحركة، ويحتفظ بموارده كلها داخل نفسه، ولأنه حاد الذكاء ومتأن، وذكي وحكيم، يقوم الثعلب بتنويع سلوكه، محتفظاً دائماً ببعض الحيل للظروف الطارئة».
الثعلب أناني بطبعه، وقليل المشاركة إلا في حالات الضرورة، ولا يهتم إلا بجرائه ورعايتهم. وهو في مسكنه يختار جحوراً متعددة المنافذ تتيح له الهرب، كما أنه يموهها بطرق شتى حتى لا تكون ظاهرة ومكشوفة.
هذه المهارات الذكية وغير المحترمة أصبحت سمة لكل أشكال المراوغة البشرية من أولئك الذين اعتمدوا طرائقه في قلب المواقف والاحتيال وتعدد الأوجه ونصب الكمائن، ما يعني أن مواجهة الثعالب البشرية تكون دائماً أصعب وأطول زمناً، وتتطلب دقة وفهماً محدداً لسبل المراوغة والانفلات، خصوصاً أنهم يتفوقون على الأصل الحيواني بالتماثل مع البشر في طبيعة الشكل والحركة واللغة وطرق الاتصال الجسدي، ما يجعل اكتشاف الخصائص الثعلبية فيهم تقتضي تجارب متعددة ورصيداً من الخبرات، ومرارات الفشل التي تتسع مساحتها كلما عاشت في بيئة حاضنة من النوايا الحسنة.
اصطياد الثعلب البشري كلفته أكبر وخسائره أكثر إذا توافر على مقومات مالية وحصانة اجتماعية أو سياسية أو بلدان راعية، فهو - حينها - يصبح بوابة خراب يجب هدمها كلياً حتى لا يتفشى شره. في كل الأحوال، تبرهن التجربة البشرية أنها تنتفع من الثعلب ميتاً في استثمار فرائه وتحصين مكتسباتها مهما كانت بسيطة، أما حياته فهي مناكفة دائمة من أجل إنقاذ ثروتها الحيوانية من عدو كثير التلون والالتفاف والخداع. الثعلب - عادة - عمره قصير، لكن بعضها يُعمّر كثيراً، ما يجعل سنواته الطويلة تخريباً مستمراً، ومهاراته أكثر تطوراً، وشره أوسع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق