بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

◘ ثقافة القطيع! - فجر يعقوب

يـــضفي مالك قــناة «الفــراعيـن» تـوفيــق عكاشة مسحة كوميدية على برنامجه. لا يختلف اثنان على ذلك. يمكن الادعاء أن طريقته في تقديم وصلاته المسلية صارت تميزه عن كثيرين من أصحاب البرامج المتجهّمة وتدفع الى متابعته وإن في شكل متقطع. لا يتوقف عكاشة عن التهريج البيّن حتى في المسائل الجادة. يمكنه بالطبع أن يتنقّل بين فقراته بسهولة لا تصدق. لا يحتاج الى مبررات أو ذرائع. لا يتطلب الأمر منه سوى أن يرفع صوته منادياً عامل الاستوديو ليساعده في اعادة تركيب الميكروفون على سترته
بعدما سقط نتيجة الصراخ و «تقطيع الهدوم» اللذين يمارسهما على الهواء مباشرة ليعزز فكرته التي يصرخ مدافعاً عنها وهو يلوّح بيديه مهدداً ومتوعداً.

اليوم الذي سقط الميكروفون عن سترة توفيق عكاشة يوم تاريخي، ليس بسبب أهمية ما يتفوّه به صاحب «الفراعين»، فقد اعتاد متابعوه طريقته في الأداء والسخرية من خصومه وأصدقائه على حد سواء. البعض يعترف على صفحاته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يتابعه من باب تزجية الوقت لأن عكاشة لا يحيد لحظة عن مخاطبة جمهوره بالطريقة المسرحية التجارية التي تطلق الايفيهات في فضاء مرسوم بدقة بغية حصد مزيد من الضحك بغض النظر عن طبيعة الموضوع المثار، أو إن كان ذا أهمية من أي نوع.
في ذلك اليوم الذي يمكن وصفه بالتاريخي، يوم سقط الميكروفون عن سترته، كان توفيق عكاشة يناقش قضية مثلث حلايب وشلاتين. المثلث الجغرافي الذي يفجر الحدود المشتركة بين مصر والسودان. بغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بـ20 ألف كيلومتر مربع عالقة بين البلدين الشقيقين، يدخل عكاشة ببزته الرسمية الى الاستديو لا ليشخص الأزمة في شكل عقلاني كما يفترض برجل الاعلام المسؤول، علماً أن بريطانيا سبق لها أن تلاعبت بالحدود بين مصر والسودان وجعلت من المثلث قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، أو تنفجر على الدوام في وجه أي مشروع تنمية يمكن أن يفكر فيه البلدان للاستفادة من ثروات المثلث... دخل عكاشة ليثير الناس العاديين بخطابه. رفع عقيرته متسائلاً عن جماهير افتراضية موجودة قبالته وعما فعلته من أجل هذا المثلث، وهو سبق له أن نبه مراراً إلى خطورة ما يحصل. ليس هناك أحد بالطبع ليجيبه عن تساؤلاته. هذا يدفعه ليصاب بهستيريا المتحول الاعلامي، وهو مرض يكاد يصيب معظم مقدمي البرامج المتناحرة في الرأي والرأي الآخر. يسقط الميكروفون. يسقط معه اليوم التاريخي أيضاً، اذ سرعان ما يكتشف المرء أن عكاشة يصرخ على عامل الاستديو المذعور ليقترب ويصلح الميكروفون مطالباً الجماهير الافتراضية بالانتظار ليكمل وصلته الكوميدية: صحيح -يقول عكاشة وهو يخبط كفاً بكف- إن الجماهير التي سمعت تحذيراته بخصوص مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد ولم تأبه بها تنتمي الى «ثقافة القطيع».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق