بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

خطاب نتنياهو: الإجرام العلنيّ والكذب الصريح

ركز خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخير أمام الأمم المتحدة في نيويورك على ممارسات الميليشيات الإرهابية للمستوطنين الإسرائيليين وعلى حصار تل أبيب للمناطق الفلسطينية وسلطاتها وتدميرها لاقتصادها وتحويلها للصراع السياسي الى صراع ديني وطالب الأمم المتحدة بمنع وقوع نكبة جديدة في فلسطين وبدعم إقامة دولة فلسطين حرة مستقلة لينتصر السلام.
وبمواجهة الوقائع اليومية التي لا يمكن دحضها لخطاب عباس كان ردّ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في خطابه أمس الأول أمام الأمم المتحدة مرتكزاً على تفنيد عناصر السرديّة الفلسطينية بدءاً من إنكار الاحتلال نفسه، مروراً بشيطنة المقاومة واعتبارها فرعاً من شجرة سامّة للإرهاب، وصولاً إلى غسل يديه من دماء آلاف الفلسطينيين الذين أبادهم معتبراً قتلهم مسؤولية السلطة الوطنية وحركة حماس.
وما كان لخطاب نتنياهو أن يصل الى خاتمته غير السعيدة من دون التهجّم على مؤسسات المجتمع الدولي التي تتبع للأمم المتحدة نفسها، في خطوة تحدّ رمزيّة كبيرة من إسرائيل للعالم بأسره، فاتهم مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بمعاداة السامية لتوصيته بمحاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
تهافت حجج نتنياهو كان بحجم قدراته على الإجرام المعلن والكذب الصريح فلتبرير قتل أكثر من 500 طفل فلسطيني في العدوان الأخير الذي قاده على قطاع غزة لمدة 51 يوماً عرض نتنياهو صورة كبيرة قال إنها التقطت فيغزة لاثنتين من قاذفات الصواريخ يلهو حولهما أطفال، وهي حجّة تستخدمها كل أنظمة الاستبداد والإرهاب العالمية، وهي تفنّد نفسها بنفسها، لأنها تخفي وقائع مضمرة مخيفة، منها أن أنظمة الاحتلال والعنصرية والاستبداد تحتقر الحياة البشرية، وخصوصاً في صورتها الطفولية لأنها تعاكس الموت الذي تشيعه هذه الأنظمة، ولكنّ بشاعة الحجّة تكمن في استخدامها للأطفال الذين تقتلهم كي تدفن معهم فكرة المقاومة والحياة والكرامة البشرية.
أما تفريق نتنياهو الماكر بين السلطة الوطنية (التي يدّعي رغبته في السلام معها) وحماس «الإرهابية» فهو استمرار للعبة الاحتلال الخالدة في تكريس الإنقسام في كل شيء، فهو يقسم الشعب الفلسطيني الى «عرب 48» (والتشديد على عروبتهم هدفه إنكار هويتهم الفلسطينية)، وفلسطينيي الضفة وغزة، وفلسطينيي الدول العربية، وفلسطينيي العالم؛ كما يقسم فلسطينيي الأرض المحتلة عام 48 الى مسلمين ومسيحيين (أو آراميين في بدعته الجديدة) ودروز وبدو، ويقسم الفلسطينيين سياسياً إلى «منظمة التحرير الفلسطينية» التي يدّعي العمل على «السلام» معها وحركتي «حماس» و»الجهاد» اللتين يصفهما ب»الإرهاب».
لكنّ لعبته المستجدّة، مع ارتفاع أسهم تنظيم «الدولة الإسلامية» في بورصة الكراهية العالمية، أن ينسب حماس إليها، وهي اللعبة التي ردّ عليها كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، بقوله إن نتنياهو حاول تصدير الخوف من «الدولة الإسلامية» التي يقودها أبو بكر البغدادي ولكنه تناسى أنه هو من يقود «الدولة اليهودية»، وبهذا أثار عريقات نقطة لا يتجاهلها نتنياهو وحكومته العنصرية فحسب، بل يحاول العالم جاهداً أن يتجاهلها عمداً لأنها تكشف أقنعة هائلة مزيفة تتخفّى وراءها ليس أنظمة الاستبداد فحسب بل كذلك الديمقراطيات الغربية، التي أعلت من شأن خطر «داعش» وتجاهلت الأسّ الأكبر الذي نبع منه اختلال آليات الأمن والسلام في المنطقة: إسرائيل.
أمريكا، التي تفاصحت أمس عبر المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر ساكي، في تعليق أعور كالعادة حول الخطاب الإسرائيلي، قالت إنها تعتقد «أن حماس وداعش منظمتان إرهابيتان، لكن من الواضح أننا نعتقد أن داعش تشكل خطراً مختلفاً على الولايات المتحدة»، مضيفة (لا فضّ فوها): «لا أعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أو أي أحد آخر في إسرائيل يقترح أن تطلق الولايات المتحدة حملة عسكرية ضد حماس».
وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا تعتذر عن «مهاجمة حماس»، كان المستوطنون الإسرائيليون يحتلون 9 أبنية في القدس الشرقية وتقتحم قطعانهم المسجد الأقصى، فيما تمنع مصر مرور وفد من حركة حماس يضم الدكتور موسى أبو مرزوق والدكتور محمود الزهار من السفر عبر أجوائها إلى تونس.
وهو ما يعيدنا إلى المربع الأول: مشكلة الفلسطينيين ليست مع إسرائيل وحدها بل مع تحالف أنظمة الاستبداد وغطائها الغربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق