بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

عقدة القذافي و«عمدة عمان» بسام البدارين

في كل الأحوال وأسوأها لم يتقصد عمدة العاصمة الأردنية عمان الإساءة لأي جهة أو عشيرة أو محافظة وهو يسأل علىالهواء مباشرة عن باعة البسطات والأرصفة المتمردين على البلدية قائلا: من هم هؤلاء ؟.
متربصون كثر بالعمدة عقل بلتاجي حاولوا إستدعاء أسوأ ما في الذاكرة العربية بعد مرحلة الربيع العربي لعقد مقارنة ظالمة بكل الأحوال وإن كنت شخصيا أميل لتحميل بلدية العاصمة مسؤولية الإنفعال والإرتجال في تطبيق قرار ترحيل باعة الأرصفة الموجودين في كل عواصم العالم .
الجماعة إياهم- المتربصون- إستعادوا مشهد العقيد الليبي الراحل معمرالقذافي عندما سأل سؤاله الشهير والأخير : من أنتم؟…هذه المقاربة إستهدفت التشهير بالعمدة البلتاجي وإرهابه والرد على قراره الإداري المتعجل الذي إنتهى بأزمة أمنية تخللها إطلاق نار على قوات درك ووقوع إصابات .
أخطأت المجموعة العاملة مع البلتاجي في التعاطي البيروقراطي مع المسألة لكن هذا لا يعني المقارنة بين الرجل وهو من أنعم الشخصيات العامة وأكثرها عملا وصبرا وبين القذافي خصوصا وان سؤاله الإستنكاري يتقصد مخالفي القانون من باعة الأرصفة بصرف النظر عن هويتهم الجهوية أو أصلهم وفصلهم .
هي بالضرورة الطريقة الأردنية المعتادة في المبالغة بكل شيء ..المبالغة في إتخاذ قرارات إدارية بطريقة لا مبرر لها وبدون إدراك حساسيات الجوع في المجتمع وبطريقة مستفزة ويقابلها المبالغة في ردة الفعل الشعبية والميل للإتهام وللمقاربات الكيدية المريضة.
عمدة عمان لدينا عليه عشرات الملاحظات وكنا أول من إنتقدنا أصلا قرار تعيينه فالرجل كفاءة كبيرة لكنها قد لاتنتج في ادارة مؤسسة عملاقة تعاني من كوارث مثل بلدية أكبر المدن الأردنية .
والجميع يعرف بانه ـ اي بلتاجي- من أكثر المسؤولين تواضعا وأدبا ولا يمكنه التلفظ ضد المواطنين بعبارات قاسية وإن كان إستعمل تعبيرا حمالا للأوجه ويمكن ان يستثمر ضده بكل الأحوال في مجتمع سلبي تماما يميل إلى مناكفة السلطة أصلا.
مسألة باعة البسطات والأرصفة في عمان تتفاعل وتتخذ مسارات أكبر من حجمها وستعتبر قريبا الدليل الأكبر على تعثر الإدارة العامة في البلاد جراء الإغراق في سياسات فاشلة يقررها مغامرون في توقيت حساس ومحرج .
تهمة «إرتكاب إعمال إرهابية» صعدت بقوة في مبالغة غير محسوبة أيضا لمحاسبة باعة بسطات بسطاء يترزقون في الشارع في الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن مافيات وعصابات تدير تجارة الأرصفة .
هي تهمة غير مناسبة بكل الأحوال وتنطوي على مبالغة يتصور بعض الخبراء بان البعض في المستوى الرسمي يبحث عنها لتبريرالعديد من الإتجاهات الأمنية المتوقعة لاحقا ليس لمواجهة حراك باعة الأرصفة المحدود التأثير ولكن لمواجهة الإنعكاسات والتداعيات التي يفرضها إيقاع الإنضمام للتحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا .
سمعت شخصيا من أحد المعنيين كلاما عن الحاجة الملحة لحالات تمرد على السلطة لتغيير مسار الأمور برمتها وبناء حالة عامة جديدة ذات بعد أمني تعيد إنتاج المشهد برمته. والبلاد مليئة بالخيارات والتكهنات التي تتحدث عن الإنتقال لمستوى تشكيل حكومة بخلفية عسكرية وإستدعاء مخزون الطوارىء بسبب تعقيدات الوضع الإقليمي ونمو وتدحرج الحرب على الإرهاب.
..مثل هذا التفكير في تعطيل الحياة السياسية وإرجاء التحول الديمقراطي يعكس طريقة مؤسفة في ذهنية بعض مواقع القرار والمسؤولين نتمنى أن لا تصل إليه البلاد وإن كانت الحاجة دوما ملحة للتشبت بهيبة الدولة والقانون والإستقرار العام حتى وإن تطلب الأمر التضحية ببعض الحريات العامة.
مسألة البيع على الأرصفة وهتافات الباعة الذين منعوا بقوة من الترزق لصالح دولة داعش نكاية بالسلطات ليست سياسية بل معيشية وخدماتية بإمتياز وينبغي أن تبقى وتدار على اساس أنها في هذه الحلقة بدون مغامرات ومجازفات جديدة تعمل على نموها وتسييسها بقرار رسمي تماما كما حصل مع الأحداث في مدينة معان جنوبي البلاد.
المجازفون والمغامرون يتواجدون ايضا ليس بين باعة البسطات ولكن بين بعض الموظفين الكبار الذين يبحثون عن مبررات سياسية عامة تمكنهم من الإنقضاض على الديمقراطية والحياة البرلمانية والإصلاح السياسي لتبرير العودة للأحكام العرفية والنمط الأمني في الإدارة.
على جميع الأطراف عدم إنتاج ذرائع حتى لا ينجح هؤلاء المغامرون في إقناع صاحب القرار بأن الحل الوحيد يكمن في وقف التحول الديمقراطي والعودة للحلول الأمنية وشطب سنوات من التحول بدأت عام 1989 حتى مهما كانت الذريعة.
أصحاب البسطات لديهم حق الإحتجاج السلمي الحضاري ولجوء بعضهم لإطلاق النار على رجال الأمن سلوك عنفي مرفوض يبرر لاحقا قمعهم وقمع غيرهم بالقوة الأمنية فمن يبيع على الرصيف ويحصل على عدة قروش في اليوم يستطيع الإحتفاظ بثمن الرصاصة التي يطلقها بتحريض من بعض العابثين واستعمال هذا الثمن لشراء الخبز لأطفاله حتى لا يطور عمدة المدينة الصديق بلتاجي كلمات صعبة ومتقاطعة حمالة أوجه يمكن أن تستعمل على النحو الحاصل في المقاربة الغريبة وغيرالمنصفة مع القذافي .
القذافي بين يدي صاحب الجلالة وملك الملوك ورحل عن الدنيا وخربت بلاده بعده ولا نملك الآن حق محاكمته وهو لا علاقة له إطلاقا بقصة صغيرة جدا في الأردن لها علاقة بباعة الأرصفة .. إتركوا الرجل يرقد بسلام ليلاقي مصيره وبرأيي الشخصي على العمدة بلتاجي أن يعيد النظر بحساباته الإدارية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق