بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

♣ كوبانيغراد… معركة أمام الجميع ولا يراها أحد توفيق رباحي

منذ أكثر من أسبوعين يتردد اسم كوباني ـ عين العرب في وسائل الإعلام العربية والدولية على مدار الساعة واليوم. لكن لا أحد يستطيع الجزم بشكل واثق وحاسم بحقيقة ما جرى ويجري في هذه المدينة الكردية.

على خلاف الحروب الأخرى السابقة في المنطقة، يدور الصراع في كوباني حاليا بين جيشين غير نظاميين: مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوالشام من جهة، والمقاتلون الأكراد السوريون المنضوون تحت تنظيمات محلية تشكلت حديثاً وغير منتسبة بوضوح لهذه الدولة أو تلك. 
لا أحد من الطرفين يتبع دولة أو تحالف دول. ولا أحد منهما يمتلك ثقافة الدولة. 
تلكم الحقيقة الأبرز، والتي من تبعاتها أن لا أحد من الطرفين يملك جهازاً دعائيا قويا يشتغل على مدار الساعة ويوظف الصورة والمعلومة في صالحه.
براعة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بلغت مداها، لحد اللحظة، في قطع الرقاب وتنزيل الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لإصابة العالم بالذعر. وتلك رسالة وصلت جيداً.
والمقاتلون الأكراد لم يكونوا جاهزين لهذه المعركة التي فُرضت عليهم. إضافة إلى أنهم «ضائعون» وسط معادلة معقدة، لا هم تابعون لأكراد العراق ولا هم معتَرف بهم كجزء من أكراد سوريا، ولا هم من أكراد تركيا. كل هذا وضعهم أمام هذا المصير المشؤوم وعقـّد مهمتهم القتالية ومن ورائها الدعائية التي كان من شأنها أن تجلب لهم التعاطف خارج المنشود في الخارج.
حقيقة أن لا أحد من طرفي معركة كوباني ينتسب إلى دولة بمفهوم علم السياسة، جعل أن لا أحد منهما اصطحب معه لهذه المعركة فريقا من الصحافيين أو المراسلين والمصورين، مثلما فعل الأمريكيون في حروبهم أو الجيوش النظامية بالمنطقة في «فتوحاتها» ضد شعوبها وجيرانها. ومثلما تفعل الجيوش العصرية في حروبها وعملياتها الخاطفة، لأغراض التوثيق والدعاية والحرب الإعلامية.
هنا بدأ ضياع الحقيقة. وهذا ما يفسر أن لا أحد في العالم يعرف بوضوح ودقة ماذا يحدث بالضبط في داخل المدينة.
معركة ستالينغراد دخلت التاريخ على أيدي المنتصرين. و»معركة كوبانيغراد» تخرج من التاريخ قبل دخوله، من خلال تغييب المعلومة.
أمضى العالم أسبوعين يتلقى المعلومة ونقيضها في اليوم الواحد، بل الساعة الواحدة، ويتلقى أحيانا الخبر نفسه مصاغاً بطرق متناقضة مع فارق زمني كبير. المثال الصارخ هنا خبر سقوط المربع الأمني في المدينة. ورد مرة عن سقوط السجن المركزي ومرة عن سقوط مركز أمن المدينة وأخرى عن سقوط المربع الأمني، الذي يُفترض أنه منطقة تجمع قوات أمنية وعتاد. 
منذ أسبوعين أو أكثر يقف المراسلون على الشريط الحدوي بين تركيا وسوريا في انتظار معلومات لا تأتي إلا شحيحة وغامضة وفي كثير من الأحيان غير موثوق بها. 
أخطر من الصور، يعطي الموقف الانطباع بأن الجميع في انتظار مذبحة ستحدث في أي لحظة (ربما حدثت)، ثم الانشغال بالمعلومات عن تفاصيلها عندما ينتهي كل شيء.
هذه من المرات النادرة في حروب السنوات الأخيرة، تدور معركة أمام أعين الجميع ولا يرى أحد الحد الأدنى من تفاصيلها. وربما هي المعركة الوحيدة التي لا يشاهد الناس ولا يسمعون عبر الفضائيات استغاثات السكان من داخل المدينة المحاصَرة، ولا شهاداتهم عمّا يحدث أو لا يحدث. 
كل الأخبار والصور المتوفرة هي من الأطراف عن الأطراف.
يحدث كل هذا في منطقة في متناول الجميع جغرافياً وإعلامياً.. منطقة تتوسط العالم ويمكن الوصول إليها بكل السبل، حتى سيراً على الأقدام.. منطقة تجذب الصحافيين والمصورين مثل المغناطيس وشكلت أخبارها العناوين الأبرز في صناعة الأخبار طيلة السنوات الثلاث الماضية. فماذا حدث حتى أصاب كل هذا التعتيم كوباني؟
أحد الأسباب أن الغرب غير مهتم كثيراً بمصير المدينة ومن فيها. وبوضوح أكثر، الغرب يكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالأكراد: لأكراد العراق مكيالهم، ولأكراد سوريا مكيالهم المختلف والذي يدفعون بموجبه الثمن تمييزاً (ضدهم) في السياسة وتغييباً في وسائل الإعلام العالمية.
انعدام الاهتمام السياسي، ومن ورائه الدبلوماسي والعسكري، ينعكس تلقائيا إهمالاً في الإعلام. العمل الإعلامي في الحروب هو جزء من منظومة كاملة تتشكل من عدة أطراف آخرها الإعلام الذي يتحوّل إلى ناطق بوق باسم القوات التي أُرسلت وباسم من أرسلها.
التغطية التلفزية والإعلامية ككل لحروب 1990 و1998 و2003 على العراق مثال صارخ.
لو قرر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري زيارة كوباني أو أقرب نقطة إليها غداً، سترافقه عشرات الفرق التلفزيونية والصحافية على متن الطائرة نفسها، ناهيك عن الفرق التي تصل منفردة. 
ولو قرر البنتاغون إرسال جنود على الأرض للتعامل مع معركة كوباني، أول شيء ستتسابق عليه المحطات التلفزية الأمريكية والغربية عموما، هو تسجيل مراسليها في قوائم الصحافيين المرافقين للجنود. بالمقابل، سيسبق صحافيون غربيون الجنود الأمريكيين في الوصول إلى مسرح المعركة.
نحن الآن في مستوى آخر من حرب الصور. في حروب العقدين الماضيين كنا نشتكي من التلاعب بالأخبار وصورها، ونتوجس من طريقة تسويق المعلومة المتاحة. اليوم انتقلنا إلى الشكوى من تغييب الصورة والمعلومة في زمن يُفترض أن لا أسرار ولا تعتيم فيه.
وسط هذه «المعمعة» العرب مجرد قطعان يستهلكون المعلومة المنتجة في عقر دارهم مثلما يستهلكون أية بضاعة أخرى تُنتج في أبعد جغرافيا عنهم.

٭ كاتب صحافي جزائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق