بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 أكتوبر 2014

العبادي… معطف خامنئي والعصا الأمريكية.. وحرب مفتوحة النهايات على الإرهاب مازن صاحب

يواجه العراق مجددا السير ضمن قياسات بوصلة الفشل في حرب معلنة على الإرهاب، وهي المعايير ذاتها، التي طبقها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ويحاول رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي التملص منها. ولكنه يواجه استحقاقات النفوذ الإقليمي والدولي المتعارض في هذه الحرب، ما بين عودة القوات الأمريكية من جديد الى العراق، مصحوبة بقوات حلف الناتو لمواجهة تداعيات النجاحات التي يحققها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في قضم الأراضي العراقية واسقاط القصبات والقرى واحدة بعد الأخرى، لاسيما في محافظة الانبار، بعد ان فرضت هيمنتها على مدن الموصل وتكريت وتقاتل في محطيهما.
هل يحتاج رئيس الوزراء العراقي الى ان يخرج رأسه من معطف المرشد الاعلى للثــــورة الايرانية السيد علي خامنئي؟ سؤال يطرح اليوم بقــوة حين نقرأ تسريبات المواقع الايرانية القريبة من الحرس الثوري، عن اهتمام خامنئي بدعم حكومة العبادي، كما سبق له ان دعم حكومتي نوري المالكي السابقتين. السؤال الاكثر حراجة يتمحور عن الثمن الذي قبل به العبادي تلقي مثل هذا الدعم الايراني المطلوب؟
الجميع بات متفقا اليوم على محاربة تنظيم «داعش» وارهابه المتعدد الجنسيات، لكن الجميع أيضا ما زال غير متفق على كيفية مواجهته، والخطوط الحمراء التي تحمي ميول كل منهم وطنيا، مقابل اهتماماتهم الإقليمية والدولية، ومحاولة واشنطن عبر دبلوماسية المبعوثين المتخصصة بقيادة حربها على الإرهاب، ما زالت غير قادرة على تجسير هذه الخلافات بالشكل الذي يجير جميع نتائجها لصالح أهدافها في المنطقة وابرزها الملف النووي الإيراني. لذلك، لا يمكن اخفاء حقيقة تعامل ايران مع العراق وفقا لقاعدة الحديقة الخلفية لنفوذها الاقليمي، الذي ازداد بفعل حماقات امريكية وتناس عربي خليجي لحقائق الجغرافية السياسية، فانتهى الامر الى رمي العراق برمته في احضانايران، لينتهي الامر الى ان تكون الدولة بجميع مكوناتها تحت إمرة «سيدنا الولي» وهو اللقب الذي يحمله خامنئي عند هذه الاحزاب.
وحينما جاء العبادي ببرنامجه الحكومي الذي اخرج وزارته الى النور بعمليات قيصرية لها سكاكين ايرانية وامريكية وربما خليجية ايضا، انتهى الامر بتكرار فاجعة التعارض حول الحقائب الامنية، وبعد ان حسم الموضوع عراقيا بتفضيل كفة منظمة بدر لحقيبة الداخلية، واعادة ضابط سابق لحقيبة الدفاع، وجد العبادي نفسه امام استحقاقات اضافية، ابرزها فرضيات انزال قوات برية امريكية لمقاتلة تنظيم «داعش»، وهو امر يطلب بإلحاح من ميدان القتال في الرمادي والموصل، فيما يرفض من قيادات الحشد الشعبي المستجيبة لفتوى الجهاد الكفائي، التي اصدرها المرجع الاعلى السيد السيستاني، ووصل الامر الى حالة من التصادم التي هددت العبادي شخصيا بتقديم استقالته اذا فشل في ربط طرفي المعادلة المتناقضة ما بين مواقف اتحاد القوى العراقية الداعية لإعادة صياغة التفاهمات الامريكية العراقية لتمكنها من مقاتلة «داعش»، والتحالف الوطني الراعي البرلماني للحشد الشعبي الذي ينتمي اليه العبادي.
مصيبة العبادي انه يريد ان يكون رئيسا لوزراء كل مكونات الشعب العراقي، بعد فرز طائفي وقومي، جعل مسار العملية السياسية العرجاء بنظام المحاصصة، تحتاج الى معادلات آنية لجبر خلافاتها، وقدرات العبادي القيادية تكمن في استخدام اوراقه الرابحة، فكانت زيارته الناجحة لمكتب السيد السيستاني، ومن جملة ما سرب عنها من معلومات عدم رضا المرجع الشيعي على ان يؤول الحشد الشعبي الى استعادة المليشيات الشيعية مواقعها داخل الحرس الوطني، المطلوب ان يكون رديفا للقوات النظامية، مكررا اهمية ان يكون العلم العراقي وحده من يظــــلل افاق حربها على تنظــــيم «داعش» دفـــــاعا عن كل العراق، ونقل هذه الرؤية الى خامنئي على يد العبادي، جعل تكرار تأييده لحكومة العبادي، مشروطـــا بما سبق ان فعله المالكي خلال حكومتيه، بان يكون العراق ملاذا لإيران من العقوبات الدولية، وميدانا للمواجهة مع واشنطن على طاولة المفاوضات النووية، وهي حالة لا يمكن للعبادي نكرانها.
لكن في المقابل، ستكون امام العبادي فسحة من المساحة المحسوبة بدقة وعناية، للتحرك خارج سياق ما سبق ان تمحور حوله المالكي لتقريب هذه المليشيات واطلاق يدها، ما دام هناك اكثر من اتجاه لاحتوائها، إما من خلال الحرس الوطني او عبر عودة نظام التجنيد الالزامي، فضلا عن مساحة اخرى تجعل العبادي اكثر قدرة على التعامل مع المواقف الأمريكية، التي ربما تصر على انزال قواتها لقتال «داعش» لكي يتوسع عنوان «المستشارين العسكريين» ليصل الى عشرة الاف مقاتل.. مشكلة واشنطن انها اكدت للأطراف العراقية كلها بان خطة عسكرية طويلة الأمد، بقيادة أمريكية، للخلاص من تنظيم «داعش»، جرى بلورتها أخيراً، وتمتد على مراحل متعددة، على أن يقع العبء الأكبر فيها على كاهل القوات العراقيّة العاملة على الأرض، بعد تأكيد واشنطن أن أياً من البلدان المشاركة غير مستعدة لخسارة أحد من جنودها في بلاد الرافدين.
لكن هذه الخطة التي طرحها الجنرال جون الن خلال وجوده في بغداد نهاية شهر سبتمبر الماضي في عملية إعادة تأهيل القوات العراقية ودمج المليشيات الشيعية و7 جماعات سنية مسلحة في تشكيلات الحرس الوطني، التي انتهى مجلس الوزراء من كتابة مشروع قانونه قبل عطلة عيد الأضحى، وحصر حمل السلاح بيد الدولة فقط، يمكن ان تصب في اتجاهات غير مقــــبولة في منــح الجماعات السنية المسلحة فرضيات السيطرة على مناطقها ومن ثم عودة نفوذ إقليمي خليجي- تركي بالضد من النفوذ الإيراني الذي ترى اغلبية اطراف التحالف الوطني، بان طبيعة حكم العراق الجديد لابد ان تكون بقيادة شيعية!
ما يمكن توقعه خلال الأيام القليلة المقبلة، اما نجاح العبادي في مسك العصا من الوسط لإتاحة تطبيقات مطلوبة أمريكيا في إعادة تأهيل الجيش العراقي وحشد الجميع في حربها المعلنة ضد «داعش»، بما في ذلك الانتهاء الى نموذج فيدرالي يمنح العرب السنة حقوقهم الوطنية، وفقا لتصورات احزابهم، وابرزها جماعة الاخوان المسلمين المتمثلة في الحزب الإسلامي العراقي، او ظهور فتور كبير في الجانب السياسي الذي سيمنح تنظيم الدولة الإسلامية فرضيات النجاح، بما يجعله يهدد بغداد ويطرق أبوابها بقوة، عندها سيكون الحل بدخول غير متوقع لقوات الحرس الوطني لمناطق معينة تحت عنوان حماية المواقع المقدسة، بما فيها منطقة الكاظمية وسط بغداد، عندها سيكون الوجود العسكري الإيراني هو الغالب على الوجود الدولي، وهو ما يخطط له داخل بعض الجماعات المسلحة الشيعية التي تهدد واشنطن بعودة المقاومة الإسلامية لوجودها في العراق.

٭ صحافي وكاتب سياسي عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق