بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

«كنز هرقل العظيم».. أسطورة المصداقية في الأردن بسام البدارين

لسبب واضح لا يصدق الناس في الأردن أن الحفريات الغامضة التي جرت في أرض محاذية لإحدى قرى الشمال لها علاقة مباشرة بـ «كنز عظيم» دخل الحديث عنه الوجدان الميثالوجي الشعبي وأصبح أسطورة في أعين الأردنيين التي لا تريد رؤية إلا الشائعات من الحقيقة وتغمض العين عن تلك الأدلة والقرائن التي تقول بأن المسألة لا تتعلق بكنز أو ذهب.
حالة جنون وهوس جماعية إجتاحت قطاعات واسعة من الأردنيين حيث برزت مظاهر الحفر الجماعي وإصطحب نواب في البرلمان معهم بلدوزرات للحفر والتدقيق وشكك الجميع في رواية الحكومة بل وإنقلبوا عليها على أساس أنها تخفي عن الشعب حقيقة كنز الإمبراطور هرقل .
حمى الأسطورة في هذا السياق وصلت لحد التحدث عن إستخدام تقنيات عسكرية رفيعة المستوى لتفريغ الهواء في مغارة الكنز ومواجهة «الرصد» الحارس للكنز وهو حصريا الجني الأحمر المكلف بحراسة المال والذهب وفقا للأسطورة الشعبية المألوفة التي سمعتها للأسف من سياسيين ومثقفين ورجال دولة خلافا لعامة الناس.
لا احد يريد أن يشتري بخمسة قروش روايات الحكومة المتكررة حول الموضوع والقصة ينطبق عليها مثال «الذئب والغنم» فحجم التضليل الرسمي واللف والدوران والمراوغة وصل إلى مستوى تجاهل الشعب للحقيقة ولرواية السلطة عند لحظة حرجة تحتاج فيها السلطة لأن يصدقها الشعب.
المصداقية نفسها أصبحت أسطورة صعبة المنال في الأردن بسبب تراكمات يعرفها الجميع من قول ربع الحقيقة او نصف المعلومة أو الإعتماد في غالب الأحيان على معلومة مزيفة.
الأصل في المنطق والأشياء أن طائرات سلاح الجو الأردني تخوض حربا دفاعا عن حدود الوطن وضمن ما يسمى بالتحالف… الأصل في المسألة أن الأردنيين في حالة حرب عسكرية علنية ويفترض أن تقفز الروح الوطنية وتتوثب وتلتف حول الدولة والحكومة لأن الأولية ينبغي أن تكون لإيقاع الحرب والدفاع عن الوطن ضمن مسلسل «داعش» الذي فضحته رئيسة الأرجنتين.
..لا يحصل ذلك وسط الأردنيين حيث الروح الوطنية متثاقلة متثائبة خاملة والجميع مشغول في مسألة الكنز والساسة مع الإعلاميين يهرفون بما لا يعرفون والفرصة صارت متاحة مجددا لتكرار المشهد الممجوج حيث نخبة بائسة قفزت بالصدفة او خدمها التزوير والحظ تزاود على الجميع من القمة للقاع وتنشغل في تصفية الحسابات الشخصية فيما بينها والذخيرة المستعملة في هذه المواجهة البائسة هي شائعات الكنز وتسريبات قانون الضريبة وغيرها من السلبيات التي عودنا أصحاب القرار على ثقافة إخفائها .
هناك سبب بالتأكيد يدفع الأردنيين لعدم الإستمتاع بتلك المشاعر الوطنية التي ترافق بالعادة التحديات الأمنية والعسكرية..هناك سبب يحرمنا كمواطنين من الإحتفال بأغنية جديدة تعلي من شأن الوطن والتراب أو بقصيدة تتغزل بالطائرات التي يفترض أنها تقصف «الشر» الإقليمي المجاور فيما نحتفظ برموز الشر والأداء السلبي في قمة القرار ومواقع المسؤولية.
هناك سبب يقلل من منسوب مشاعر الزهو الوطني ويحيل الرأي العام برمته إلى كتلة صماء تنسى إسرائيل وداعش والجوار الملتهب والوضع الإقتصادي المتردي وتنشغل في ترويج ومضغ الإشاعات التي تتحدث عن كنز عظيم مسروق من باطن الأردن إستقر في المخيلة الشعبية بدون دليل حسي أو برهان حقيقي.
فاتت تماما اليوم فرصة طي صفحة الكنز مهما حصل ومهما فعل ..حتى لو بثت السلطة شريط فيديو حيا مباشرا للعملية العسكرية التي جرت في قرية خربة هرقل بمحاذاة عجلون ..حتى لو أصدر الديوان الملكي بيانا وتوسل الوزراء الشعب تصديقهم لخرج من الناس من يتحدث عن كنز غامض وفبركة للحقائق.
المسؤول الأول والمباشر عن صدم النظام والسلطة والحكومة بالشائعات المتقنة هم عدد صغير من أعضاء مجلس النواب يركبون موجة الكنز المفقود بعدما «زورت « من اجلهم الإنتخابات وتم العبث بالصناديق من اجلهم لأن أحدا ما في الدولة لا زال يصور للنظام ومرجعياته بأن الإنتخابات النزيهة ستقود النظام إلى كذبة من إثنتين الوطن البديل أو الوقوع في أحضان التيار الإسلامي.
والمسؤول أيضا قبل ذلك طبقة وزراء خبراء في التعثر والإستعراض ومتسرعون في الإدلاء بتصريحات فالحكومة في جزئية الكنز إياها قدمت للرأي العام حتى اللحظة فقط أربع روايات لا تشبه اي منها الأخرى مما يؤشر تماما على ان كل من تحدث بالموضوع ممثلا للحكومة لا يعرف في الواقع شيئا عن التفاصيل .
أيهما أخطر على الوطن والمواطن والقيادة اليوم : الشيخ حمزة منصور البرلماني الهادىء الوادع المخضرم الخلوق أم نواب الصدفة والتزوير الذين طوعت لهم صناديق الإقتراع في ساعات الفجر من وراء ظهر الهيئة المستقلة لإدارة الإنتخابات ؟.
أيهما اخطر..برلمانيون مسيسون يمكن تقاسم المسؤولية معهم مقابل التنازل عن جزء بسيط من دجل الديمقراطية أم برلمانيون»لا يشبعون» ويسترسلون في إبتزاز وإرهاق الدولة والحكومة ويحترفون ركوب امواج الشائعات؟.
..هذه الأسئلة لا يريد أصحاب القرار الإجابة عليها لأنها تكشف زيف بعض نظريات الإدارة المعلبة وتنفض الغبار عن تلك الذهنية البائسة السقيمة التي تمجد تقاليد تزوير الإنتخابات وتشريعات الصوت الواحد لغاية لا يمكنها أن تكون وطنية أو منتجة.
بتسارع غريب وضع بعض كبار الساسة الماكياج مبكرا على امل خلافة رئيس الوزراء الحالي عبدالله النسور والجلوس في مقعده وتعاظم تأثير مجتمع النميمة وبدأ عدد لا يستهان به من النواب والوزراء السابقين بإستعراضات لا معنى لها تثير الإحباط والإحتقان وتنتهك إستقرار المجتمع المسالم المستقر الوادع الصابر.
وبتسارع أغرب يقال بأن ثلاثة أشخاص فقط يتحكمون اليوم بمشهد القرار ويحتكرون كل شيء بعيداعن السلطات الدستورية دون الكشف عن اي عبقرية تؤدي للإقتناع بأن مرحلة حرجة جدا يمكنها ان تدار بدون شراكة أودستور او دولة القانون وبنفاذ كلمة ثلاثة أشخاص فقط مع الإحترام لشخصهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق