بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 أكتوبر 2014

◘ حكم البلاد والعباد -أمينة خيري

كان ضمن السلطة الرابعة، وبات ضالعاً في الأولى والثانية والثالثة وصار سيداً على الرابعة. دخلت الفضائيات بكل قوة مضمار السلطات، فلم يصعد السلم تدريجياً، ولم يكتف بالدور المطلوب به، ولم يقنع بمسائل تنوير الرأي العام، بل قرر أن يصبح محركاً للأحداث، وصانعاً للبطولات أو هادماً أو مفبركاً لها. واليوم وبينما تواجه
المنطقة العربية هجمة شرسة، يجد عدد من القنوات الفضائية نفسه إما في حاجة إلى مزيد من التصعيد من أجل البقاء في العالم الجديد الجاري رسمه، أو الانزواء الى حين انتهاء المجازر وانقضاء المذابح حتى لا يحسب على طرف قد يكون خاسراً أو يعادي طرفاً قد يصبح فائزاً، أو الانصياع للأحداث الجارية وتنكيس الرؤوس وتخفــيف النبرات الى حين مرور العواصف والزوابــع لعــله ينجح في البقاء.

هناك سيناريو رابع لموقف فضائيات، أو بالأحرى ملاكها الذين يصفون أنفسهم بـ»الوطنيين الشرفاء» الذين استشعروا خطر الإرهاب، فقرروا «عدم التسامح مع أولئك الذين يسخرون من دماء الشهداء، أو يلتحقون طوعاً بمعسكر العدو». وورد في بيان القناة الخاصة التي أوقفت مذيعاً مشهوراً عن برنامجه فجأة قبل أيام، إنها أدركت الخطر الذي يهدد الأمن القومي المصري ومخطط إسقاط مصر، وهو ما يحتم عليها عدم السماح بهذا النوع من التجاوزات في حق «جنودنا في سيناء» أو القوات المسلحة المصرية، وإن «حرية الرأي لا تبرر أبداً السخرية من معنويات الجيش والشعب».
معنويات الشعب والجيش والظروف التي تمر بها المنطقة العربية، وأحداث الإرهاب في مصر أيضاً دفعت عدداً من القنوات الخاصة والرسمية إلى الخروج ببيان موحد يبث مرات أثناء اليوم باللونين الأبيض والأسود ويؤكد أن «الإعلام سيظل يؤدي واجبه بشرف في وجه الإرهاب الأسود، ويقف صفاً واحداً وراء الدولة شعباً وجيشاً وشرطة».
هذه المواقف غير المسبوقة تعني كثيراً. فهي مؤشر على خطورة الموقف الآني، ما دفع قنوات بعضها عُرِف بالبحث عن الإثارة والسعي وراء التسخين إلى التخلي – ولو موقتاً - عن منهجها الإعلامي. كما أن البيان قد يعني أن اتفاقاً ما قد أبرم بين الدولة وبين القنوات لـ«تهدئة اللعب» تحت ضغط خطورة الأوضاع. وهناك احتمال، ضئيل جداً، بأن الضمير الوطني استيقظ فجأة لفداحة ما يجري. ولكن تظل السمة المؤكدة هي أن الأوضاع باتت خطيرة ولا تحتمل اللعب بنيران الشاشات، ولو الى حين انتهاء الخطر.
وبصرف النظر عن مكنون النفوس، ونوايا القنوات، فإن ما يجري يؤكد أن القنوات لم تعد مجرد ناقلة للأخبار أو مجالاً للتحليل أو وسيطاً للترفيه، بل تحولت من شريك في السلطة الرابعة إلى عنصر فعال يؤثر ويتأثر بالسلطات الثلاث. وهنا قد نسأل: هل كان من الأفضل أن تبقى القنوات وسيلة إعلامية بدل أن تكون طرفاً في حكم البلاد والتحكم في العباد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق