بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 أكتوبر 2014

◘ اقتصاد لبنان في المستقبل القريب - ذكاء مخلص

تقدم المؤشرات المهمة الخاصة باقتصاد لبنان خلال 2010 - 2013 وتوقعات الجهات البحثية الرصينة والمنظمات الدولية لها في السنوات المقبلة إيجابيات وسلبيات على ضوء الأزمات التي يعيشها البلد منذ سنوات. فهل ثمة فعلاً ما يستدعي التخوف الذي يشعر به الفرد اللبناني وتغذيه التحليلات الاقتصادية المنشورة والمرئية والتصريحات السياسية؟

أظهر التقرير الأسبوعي رقم 35 لـ «بنك عودة» مؤشرات ايجابية سجلتها الأشهر السبعة الأولى من 2014 مقارنة بالفترة ذاتها من 2013، شملت تحسن أداء القطاع العقاري الذي سجل ارتفاعاً في عدد العقارات المباعة وزيادة قيمة تعاملات البيع وتسليم الإسمنت ورخص البناء الصادرة للفترة المقبلة بنسب تتراوح ما بين 2.2 و13.8 في المئة، وزيادة عدد الشيكات المصروفة بـ 2.8 في المئة، وهو مؤشر إلى ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وارتفاع إنتاج الكهرباء بـ 13.3 في المئة، ونمو قوي في القروض اعتبر الأعلى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ بلغت زيادة القروض في ثلاثة مصارف رئيسة نسبة 20 في المئة في الربع الثاني من السنة كما ازدادت مبيعات السيارات الجديدة والمسجلة بـ 7.2 في المئة.
واعتبر صندوق النقد الدولي في مشاوراته الأخيرة مع الحكومة اللبنانية ان 2013 و2014 كانا عامي تحدٍ استثنائي للبنان. فإلى جانب تداعيات الحرب في سورية، ضخّمت التشجنات السياسية وغياب الإصلاحات، من عدم توازن الاقتصاد الكلي مع نتائج غير ملائمة لوضع الدين العام. ورفع تقديرات معدل النمو الاقتصادي في 2014 إلى اثنين في المئة وسيُحافَظ على معدل متدنٍ للتضخم بينما سيظل عجز الحساب الجاري عالياً. كذلك توقع تدهور المالية العامة نتيجة زيادة الإنفاق وهبوط الموارد من نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي إلى 141 في المئة في 2013. وطالب الحكومة باتخاذ قرارات سريعة لوقف التدهور في الوضع الاقتصادي ومعدلات النمو ترسل إشارات قوية إلى السوق المحلي وإلى مجموعة المانحين الخارجيين كي يزيدوا من مساعداتهم المالية للموازنة الحكومية والمجتمع المحلي.
وإلى جانب الأسلوب المعروف عن الصندوق الذي يطالب دائماً بتقليص الإنفاق من خلال إلغاء الإعانات وزيادة العائدات، طالب الحكومة بإعطاء الأولوية للسياسة المالية ووضع الدين العام في اتجاه نزولي مستدام، وتمرير قانون موازنة 2014 لتعزيز دور السياسة المالية، وأن تحتوي الموازنة كل العائدات والنفقات وتتجنب القرارات المجزأة وتحويل الإنفاق الحكومي من الإعانات إلى الإنفاق الرأسمالي والنفقات الاجتماعية التي تدعم الفقراء وتساعد على استدامة النمو الاقتصادي، وإغلاق حساب الموازنات السابقة لوضع الحكومة أمام مسؤولياتها، ومساعدة الإنتاج اللبناني الذي فقد كثيراً من تنافسيته على استرجاعها من خلال تقليص التكاليف في قطاع الإنتاج وتحسين مناخ العمل وزيادة الإنتاجية بما فيها إنتاجية القطاع العام.
ونشرت مؤسسة «إيكونوميست إنتليجنس يونيت» المعروفة ببحوثها الواقعية توقعاتها لوضع الاقتصاد اللبناني خلال 2014 - 2018، وبينت انه سيظل يعاني في الأمد القصير، 2014- 2015، من معدلات نمو متواضعة بحدود 2.3 في المئة سنوياً قبل ان يسمح الوضع القائم حالياً في سورية له بالارتفاع ثانية فيما تبقّى من فترة التوقعات. وأكدت وجود مؤشرات نمو إيجابية مثل مبيعات السيارات والعقارات وتسليم الإسمنت ونشاط سوق الأوراق المالية المحلية الذي بدأ قوياً في 2014، مشيرة إلى تزايد ثقة المشاريع المحلية بمستقبل الطلب.
ولفتت المؤسسة إلى أن السبب الرئيس الذي يتمكن فيه لبنان من تسجيل معدلات النمو المتواضعة حالياً هو أنه يعمل كمركز لحركة السلع من وإلى سورية عبر قنوات رسمية وغير رسمية. وستظل المالية العامة في عجز لكنه سيهبط تدريجاً نسبة إلى إجمالي الناتج المحلي ليصل في 2018 إلى نصف نسبته تقريباً في 2014. وستظل خدمة الدين العام عبئاً على الحكومة تستنفد ثلث مجموع النفقات العامة. وسيهبط عجز الحساب الجاري من تسعة في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2014 إلى اثنين في المئة في 2018 نتيجة لتدفقات كبيرة في حركة رأس المال.
ولا تتوقع المؤسسة من الحكومة تنفيذ إصلاحات اقتصادية مهمة في الأمد القصير لكن إصلاح قطاع الاتصالات وتحسين خدمات الإنترنت وخفض كلفة الهاتف ربما تحسن مناخ الاستثمار للمستثمرين المحليين والأجانب. ولا تتوقع المؤسسة أن تواجه الحكومة صعوبة في تمويل نفقاتها بسبب قدرة المصارف المحلية على استيعاب معظم الدين العام بالعملتين المحلية والأجنبية. وفيما تتوقع المؤسسة أن يسترجع النمو الاقتصادي عافيته في 2016 - 2018 نتيجة توقع ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي خصوصاً الإقليمي إلا أن مسار الأحداث الجيوسياسية في المنطقة تلقى بعض الشك حول تحقق هذه التوقعات.
لا بد من الإشارة إلى أن الاقتصاد في أي مكان في العالم يعمل بالثقة. وكلما كانت تصريحات المعنيين أكثر ايجابية كلما أرسلت مؤشرات ثقة إلى الاقتصاد المحلي. وكانت المؤسسات الاقتصادية الخاصة في الولايات المتحدة تضع كثيراً من اللوم على المحافظ السابق لمجلس الاحتياط الفيديرالي بن برنانكي في 2012 نتيجة تصريحاته التي تثير الشكوك في الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة في وقت كان الاقتصاد الأميركي أحوج ما يكون إلى بعث الثقة فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق