بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

◘ عصافير كثيرة بحجر «داعش» - محمد علي فرحات

صمود عين العرب الكردية وضع حداً لاجتياحات «داعش» التي فاجأت العالم بإسقاطها البالغ السرعة لبلاد ما بين النهرين، بما فيها الرقّة السورية والموصل العراقية، وحتى إذا سقطت عين العرب في فم «داعش»
فإن صمودها سيعني الكثير، رمزياً وسياسياً، للجار التركي وسورية والعراق ولمستقبل مجتمعات المشرق.

الأكراد المتمسكون بقوميّتهم يسيرون عكس الاتجاه الذي يعتمده الاتراك والعراقيون والسوريون.هنا رجب طيّب أردوغان الذي لا يني يحجّم القومية التركية ويكسر عصبها الأتاتوركي الذي أنشأها بقوة النواة الطورانية بعد انهيار السلطنة المهزومة في الحرب العالمية الأولى، وهو يحجّمها لمصلحة إسلام سياسي عابر للقوميات، ويطلق هذه الأيام «حزب الله» الكردي في محاولة لكسر شوكة الأكراد القومية التي برهنت عن صلابة استثنائية في محيط يتفتّت من حيث يتوّهم الاندراج في عولمة إسلامية.
وهناك السياسيون العراقيون العرب المنقسمون سنّةً وشيعةً، مع فشل لا تخطئه العين لحكم استولى عليه «حزب الدعوة» الشيعي معتمداً نزعة انتقامية «طردت» السنّة من الدولة فعمدوا إلى «طرد» الدولة من بيئاتهم التي تشكّل تقليدياً عصب الإدارة السياسية للعراق الحديث.
لا الوطنية العراقية التي اعتبرها كثيرون طريق الخلاص بعد إسقاط صدّام حسين وفشل البعث في حكم مجتمع تعدّدي باستبداد يرفض التعدّديّة، ولا دولة الطوائف التي طبعت التشكيل السياسي الوليد بعد الاحتلال الأميركي منذ مجلس الحكم المعيّن، ولا حكم الغالبية الشيعيّة عبر الصلاحيات الواسعة لرئيس الوزراء... كل ذلك لم يؤدّ إلى صيغة حكم مستقرّة لعراق طالما عالج مشكلاته السياسية بالهروب إلى الأمام عبر قمعٍ داخلي أو حروب مع الجوار.
وهنالك سورية التي استسلمت معارضتها إلى الإسلاميين المسلّحين أو دُفعت إلى ذلك بضغط النظام وفقدان التقاليد السياسيّة. فنحن أمام نخبة معارضة أربكت التنسيقيات بدل أن تعبّر عن الإرادة الشعبيّة المشتركة لهذه التنسيقيات. أمّا سورية النظام فتوهّمت في سيطرة المتطرّفين الإسلاميّين حجّة على المعارضة، كأنّ الطرفين يتبارزان لنيل رضى دول كبرى لن يعيد إليهما مسرح السياسة السوريّة الذي يتداعى قبل أن يكتمل قوامه.
عين العرب (كوباني) بصمودها كسرت للمرة الأولى رهبة «داعش»، فرأى العالم مجتمعاً يدافع عن نفسه حقاً ولا يستسلم ضعفاً أو أملاً بإضعاف خصوم. وبذلك يقدّم الأكراد رسالةً إيجابية إلى شركائهم في الوطن السوري المحطّم، وفي العراق المنقسم، وفي تركيا المهدّدة بجنون التوسّع، رسالة مفادها أن الوجود الكردي الحر في هذه الأوطان دافع إيجابي نحو التعدّدية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وأمل بالنهوض من عصبيّة اليأس وأوهام الديكتاتورية أو الدولة الدينيّة.
لقد مثّل «داعش» بتبسيطه المخلّ للشريعة الإسلاميّة وبتخطيط المستفيدين من جرائمه، حجراً واحداً يُراد منه إصابة عصافير كثيرة. من هذه العصافير حزب العمال الكردستاني لاكتساح نفوذه في سورية، وإضعافه في الحوار السياسي مع الحكومة التركية، لكنّ صمود عين العرب يهدّد بإعادة القضيّة الكرديّة في تركيا إلى المربّع الأوّل، وبنقل حكم أردوغان المديد من دفء السلطة الراسخة إلى سطح صفيح ساخن. ومن هذه العصافير استيعاب السنّيّة السياسية العراقية والمعارضة السورية وإضعافهما لتقبلا أي تسوية تُعرض عليهما. أمّا الشيعيّة السياسية العراقية فلا تحتاج إلى حجر «داعش» لأنها راضخة للوصاية الإيرانية ويتوقّف مستقبلها على نتائج الحوار الأميركي مع طهران.
معركة عين العرب (كوباني) أيّاً كانت نتائجها ستقلّص حركة «داعش» وتحصره في نطاق محدّد، في انتظار إعادة تشكيل المشرق العربي سياسياً بإرادة الدول الكبرى والإقليميين الكبار. لقد قال الأكراد كلمتهم بصمودهم، أما العرب فغارقون في تفسير التاريخ على وقع الدم البريء وتفجير منجزات دولهم الحديثة التي تدخل بدورها كتاب التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق