بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 11 يونيو 2018

"بورتريه" محمود عباس ‏من الثورة الى الدولة

ولد الرئيس محمود عباس في مدينة صفد في فلسطين التي كانت حينئذ خاضعة للانتداب البريطاني، لأب يعمل في التجارة. بعد بدء العام الدراسي السابع له في صفد، اضطر للرحيل مع بقية أفراد أسرته إلى سوريا بعد احتلال فلسطين في عام1948 وتهجير غالبية سكانها الأصليين إلى الدول العربية المحيطة.
وصل بداية إلى قرية البطيحة في الجولان، وبعدها توجه إلى دمشق لينتقل بعدها إلى مدينة إربد في الأردن لمدة شهر، إلى أن حضر أخواه الكبار و أمه من صفد، ليتجهوا جميعا بعدها إلى سوريا إلى قرية التل. بعد عدة أشهر انتقلوا إلى دمشق، بسبب حاجتهم للعمل.
تلقى تعليمه الثانوي في سوريا والجامعي في جامعة دمشق. ثم التحق بجامعة القاهرة لدراسة القانون. وفي العام 1982 حصل من الجامعة الروسية لصداقة الشعوب في موسكو، معهد الدراسات الشرقية (الاستشراق)، حيث حصل على شهادةالدكتوراه في العلوم السياسية وكانت أطروحته عن "العلاقات السرية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية" "العلاقة بين قادة النازيةوقادةالحركةالصهيونيةالتي طبعتها دار ابن رشد عام 1984م في كتاب حمل عنوان : الوجه الآخر: العلاقات السرية بين النازية والصهيونية.
في عام 1957، عمل مديراً لشؤون الموظفين في وزارة التربية والتعليم في قطر، زار خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عدة مرات لاختيار معلمين وموظفين للعمل في قطر، واستمر في عمله حتى عام 1970 حيث تفرغ كلياً للعمل الوطني.
النشاط السياسي
بدأ نشاطه السياسي من سوريا، ثم انتقل إلى العمل مديرا لشؤون الأفراد في إدارة الخدمة المدنية في قطر ومن هناك قام بتنظيم مجموعات فلسطينية واتصل بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي كانت وليدة آنذاك.
انتخب عضوا للجنة المركزية في المؤتمر الأول الذي عقد في دمشق سنة ١٩٦٧ لكنه ظل بعيدا عن مركز الأحداث نظرا لوجوده في دمشق بعيدا عن مقر منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان في بيروت.
ظل عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1968. قاد المفاوضات مع الجنرال ماتيتياهو بيليد التي أدت إلى إعلان مبادئ السلام على أساس الحل بإقامة دولتين المعلن في 1 يناير/1977 كانون الثاني. وعمل بفعالية من خلال مؤتمرات الاشتراكية الدولية .
شغل عضوية اللجنة الاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ أبريل/ نيسان 1981، وتولى حقيبة الأراض المحتلة بعد اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد).
مؤسس مدرسة السلام
يعتبر ابومازن صاحبة فكر ورؤية حيث آمن منذ البداية بالسلام كخيار لتسوية الصراع، وبقي على مبدأه وشجاعته وتحمل الكثير .ويعود الفضل له في حشد قوى السلام العالمي الى جانب القضية الفلسطينيةمنذ بداية السبعينيات مرحلة المد الثوري حيث كان يعتبر كل من ينادي بالسلام خائن .وعى مبكرا اهمية اختراق المجتمع الاسرائيلي والتأثير عليه على قاعدة ان لا مفر من التعاطي مع الخصوم.
بدأ المحادثات السرية مع الإسرائيليين من خلال وسطاء هولنديين عام 1989 ونسق المفاوضات أثناء مؤتمر مدريد. أشرف على المفاوضات التي أدت إلى اتفاقات أوسلو، كما قاد المفاوضات التي جرت في القاهرة وأصبحت ما يعرف باسم اتفاق غزة-أريحا.
ترأس إدارة شؤون التفاوض التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها عام 1994. عمل رئيسا للعلاقات الدولية في المنظمة ثم عاد إلى فلسطين في يوليو/ تموز 1995.
تم اختياره أمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1996 مما جعله الرجل الثاني عمليا في تراتبية القيادة الفلسطينية. 
عين عباس رئيسا للوزراء في حكومة السلطة وكلفه ياسر عرفات بتعيين حكومة استمرت 4 اشهر من نهاية إبريل/ نيسان حتى بداية سبتمبر/ أيلول 2003 حين قدم استقالته اثر خلافات على الصلاحيات معابو عمار .فتم تعيين أحمد قريع رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السابق خلفا له .
اختير رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية خلفا للرئيس ياسر عرفات بعد وفاته في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004. ورشحته حركة فتح في نفس الشهر لرئاسة السلطة الفلسطينية. وقد نجح بعد أن حصل على 62.52% من الأصوات.بذلك اتيحت له الفرصة لتطبيق وتنفيذ رؤيته للحل السياسي والدولة على اساس الشرعية الدولية . فتح معركة دبلوماسية توجت بحصول فلسطين على مقعد مراقب في الامم المتحدة وانضمامها الى المنظمات الدولية.عقد المؤتمر السادس لفتح 2009 والمؤتمر السابع 2016 وكذلك المجلس الوطني سنة ٢٠١٨الذي انتخب لجنة تنفيذية جديدة.
آمن عباس بان الاصلاح يبدأ من قمة الهرم فاعلن منذ فوزه في الانتخابات بانه لن يترشح للدورة المقبلة مدشنا بذلك اولى قواعد الاصلاح المنشود لمجتمع حديث العهد بالحكم يعيش في محيط لا يغيب فيه الحاكم الا بالموت او الانقلاب .
لم يتوقف الرئيس عند ذلك بل سار في برنامجه الاصلاحي الى ابعد مدى مؤكدا عزمه على تطبيق ما جاء به من وعود . 
الانقلاب الدموي على الشرعية و الذي قادته حماس في غزة كان المحك الاول، فقد تعامل معه الرئيس بكل مسؤولية وطنية حرصا منه على عدم اراقة الدم الفلسطيني و بما ينسجم مع المصلحة العليا ،على الرغم من قدرته على مواجهة الانقلاب وحقه الشرعي بالدفاع عن السلطة وحمايتها.
واصل الرئيس دعم غزة بكل الامكانيات المتاحة، ولم يدخر جهدا في سبيل انهاء الانقسام، الذي الحق الاذى بالقضية الوطنية لايمانه بتعزيز ثقافة الحوار لحل المشاكل الداخلية مهما بلغ حجمها، وان غزة جزء من الوطن الفلسطيني. موصدا الباب في وجه الاسرائيليين الذين ما فتئوا يلعبون على حبل الفصل بين غزة والضفة، وكذلك بعض الاطراف الانعزالية المحلية قصيرة النظر التي تروج بان غزة عبء على السلطة اضافة الى بعض القوى الاقليمية كسوريا وايران وغيرها، رأت في ورقة الانقسام وسيلة لتحسين وضعها الدولي.
مضى عباس قدما في تطبيق ما وعد به ناخبيه فاعاد ترتيب الاولويات و تطوير استراتيجيةواسلوب مواجهة الاحتلال بطريقة تضمن استمرارعملية بناء المؤسسة الوطنية نواة الدولة و محاصرة سلطات الاحتلال، لعدم التزامها بعملية السلام و قد ادرك الشعب واقعية هذه الرؤية وانطلق في عملية البناء الى جانب المقاومة السلمية ،التي احرجت المحتل و زادت من ثقة المجتمع الدولي بالفلسطينيين، فتوالت الاعترافات بفلسطين كدولة على حدود 67 . 
نقلة نوعية شهدتها اجهزة الامن في الاعداد و التدريب و الانضباط و الفهم لمضامين حقوق الانسان وأُتبع ذلك بتشكيل هيئة لمكافحة الفساد شرعت بفتح الملفات و محاسبة من تثبت ادانته من راس الهرم حتى القاعدة .
رافق ذلك انفتاح على العالم العربي ،بدعوته الى الانخراط السياسي و الاقتصادي و الثقافي و السياحي و تجاوز عقدة الاحتلال، و التواصل مع الشعب الفلسطيني .
ان ثورة الصدق التي فجرها الرئيس و التي كان المشهد الفلسطيني بحاجة اليها لا تقل اهمية عن الثورات السابقة بل كانت تتويجا لها .ان الزهد بالحكم كان الدافع و المحرك الاساس لعجلة الاصلاح لقد كان مدركا لاهمية اصلاح المؤسسةالامر الذي عزز قناعة الجماهير بان القائد و القيادة وجدوا لخدمة الشعب، و ليس العكس . ترسخت هءه القناعة و تعمقت لتصبح ثقافة لدى الناس ،بل انها اثرت تاثيرا تراكميا بطريقة او باخرى على شعوب المنطقة المطالبة بالتغيير و التي كانت ترقب و تتابع ما يجري في فلسطين من بناء ديمقراطي، يؤسس لدولة القانون على الرغم من معيقات الاحتلال، المتعمدة لاجهاض الفكرة في مهدها.
عباس وضع خصومه الصهاينة والاميركان في الزاوية وبقي الرجل القوي، فبيده مفتاح السلم والحرب.و ظل وفيا لمبادئه وابقى القضية الفلسطينية الرقم الصعب في معادلة الشرق الاوسط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق