بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 مايو 2015

المسكوت عنه في قصة الإقالات الأمنية في الأردن

مدهش إلى حد كبير التوقف عن سياسة «إنكار» المشكلات في الأردن وإيجابي للغاية وطنيا أن يتعلم المسؤولون أنهم بصدد «دفع الثمن» الأدبي على الأقل عندما تحصل أخطاء فادحة في المؤسسات التي يتولونها.

أقول ذلك وانا كمواطن أردني احاول فهم إستنتاجات التغيير الأخير الذي اطاح بقرار واحد يدلل على الثقة بالنفس بثلاثة رؤوس كبيرة في المؤسسات الأمنية.
هي على نحو أو آخر وبالمدلول السياسي العام عاصفة حزم أردنية داخلية تحاول معالجة خلل أساسي وإستراتيجي غير مسموح الإسترسال فيه لكن السؤال يتفاعل وسط كل الناس الذين يطالبون بموجات إرتدادية وإكمال مسلسل عاصفة الحزم حتى لا يظهر بأن «التقصير» هو تهمة توجه للمسؤولين الثلاثة المقالين وحتى تتجلى قيم الإنصاف الإداري.
لا شك بأن الإجراء المتخذ بإقالة وزير الداخلية وجنرالين كبيرين في المؤسسة الأمنية مهم ومؤثر ويدفع للإسترخاء لكن الجرأة تقتضي إكمال مسلسل الحزم بالإنحياز ولو مرة واحدة للثقافة التي تعاكس الإنكار الدائم للمشكلات .
في تبرير إقالة المسؤولين الثلاثة سمعنا كلاما طيبا عن الإعتراف ولأول مرة بحصول تقصير أمني وعن خلل في المنظومة الأمنية في البلاد دون أن يعني ذلك بأن المسؤولين الثلاثة المقالين هم فعلا وحصريا وحدهم المقصرون أو الذين يمكن إعتبارهم السبب اليتيم للتقصير الأمني الذي بات يقلق المواطن والدولة والنظام معا.
التقصير شديد والمشكلات تتجاوز الإعتبارات الأمنية وثمة مفاصل من الخطأ الإداري والسياسي ينبغي ان يصلها قطار التغيير والإصلاح وان تصلها موجات الإعتراف بالمشكلات بدلا من إخفائها واللف والدوران والمراوغة.
وزير الداخلية المقال حسين المجالي وجه حضاري للأمن العام والرجل للإنصاف قاد البلاد داخليا في مرحلة حساسة بالربيع العربي وتميز بسعة الثقافة والأفق وإستعمل بإنتاجية مفهوم «الأمن الناعم» عندما كان مديرا للأمن العام قبل ان يصبح وزيرا للداخلية ويستبدل بشخصية عسكرية صارمة تقول علنا بأن «النعومة» لا يمكنها ان تدخل القاموس الأمني .
ليست مشكلة رجل وطني من وزن الجنرال توفيق الطوالبه أن خلفيته عسكرية تماما فقد سمعته شخصيا وهو يرفض الإنحياز لمفهوم الأمن الناعم ورصدناه وهو يقوم بإجراءات تقول ضمنيا بأن العقل الأمني لا يتعامل إلا مع الوقائع ويترك مسألة الخلفيات والأسباب والتداعيات للمستوى السياسي.
ليست مشكلة الطوالبة أن احدا في «السيستم» لم يتدخل ليعالج مشكلته الشخصية ولا خلافاته المهنية مع وزير الداخلية الذي كان يبلغ النواب بأن مدير الأمن العام «لا يستمع له» وليست مشكلته أنه رجل عسكري تماما لا يؤمن بالتفكير بالمشكلات بل يتخذ إجراءات ويترك مسألة التفكير للجهات المعنية.
فوق ذلك بالتاكيد ليست مشكلة جهاز الشرطة الذي يقدم تضحيات كبيرة وهو مطالب بالإنتقال وفورا وخلال اسابيع قليلة وبنفس الميزانية المالية والكادر البشري من رعاية واجبات مبرمجة على سبعة ملايين إنسان ما بين مواطن ومقيم ليصبح العدد فجأة- وبقرار سياسي- 12 مليونا من المقيمين والمواطنين .
إذا كان الطبيب الواحد في القطاع الرسمي الأردني يجري عشر عمليات جراحية في اليوم الواحد فالشرطي أيضا إنسان ولديه طاقة وإمكانات ومن غير المنصف مطالبة «أي رجل أمن» بأن يعمل فوق طاقة البشر ثم يتحمل كل الإنتقادات دون حصول أخطاء خصوصا بعدما تتعدد الأجهزة الميدانية وتبرز ملامح غير ناضجة في إدارة التنسيق الأمني الداخلي بعد المهنية الرفيعة التي تميزت بها الأجهزة السيادية.
رجل «الدرك» ايضا يمثل هراوة القانون وليست مسؤوليته بكل تأكيد تعويض الفاقد من البيئة التنموية في مدينة معان أو غيرها فتلك مهمة ومسؤولية الحكومة والوزراء ومن غير المنصف مطالبة رجل الدرك بقياسات غير منطقية وذات ابعاد «مدنية» دون تثقيفه أصلا ودون وجود قوانين فاعلة تنظم العلاقة اصلا بين رجل الأمن والمواطن ودون الإعلان الصريح بأن الدولة بإتجاه «المدنية». 
بهذا المعنى لا يمكنني الموافقة على ان المسؤولين الثلاثة المقالين يتحملون وحدهم مسؤولية «القصور والخلل الأمني» فمعادلة الأمني عموما بالبلاد تتحكم بالسياسي والبيروقراطي والمشكلات التي أطاحت بثلاثة جنرالات ستبقى تظهر وتتواصل وتستقر ما دامت معادلة الإصلاح تراوح مكانها عموما وما دامت الذهنية التي تدير الامور لا علاقة لها بمحور دولة المؤسسات والقانون.
البعض صفق لإقالة ثلاثة مسؤولين ..انا أصفق من جانبي لقيمة ان يستقيل المسؤول بسبب خطأ إرتكبه من يعمل معه فهذه قيمة إصلاحية يدركها رجل من وزن الجنرال المجالي.
لكني سأصفق أكثر وقد أرقص إذا إستمر منوال الحزم ووصل جميع المساحات التي تحتاج لتكريس نفس القيمة فالبلاد وبإعتراف رموزها تواجه مشكلة في الإدارة والإقتصاد والسياحة والصحة والتعليم ونظام العدالة والإستثمار . المشكلات السياسية والمجتمعية والإقتصادية بكل الأحوال لا يمكن معالجتها بالقبضة الأمنية ومشكلات من وزن القصور الأمني والخلل في المنظومة الأمنية لا اتصور انها تعالج بإقالة سين او صاد من رموز المؤسسة الأمنية ليس فقط لأن مستوى «التخاصم» والإشتباك والتجاذب بين الرموز كبير ومخجل في بعض الأحيان ولكن ايضا لأن قواعد الرجل المناسب في المكان الأنسب تضرب يوميا وبدون تفسير.
تبعية الأمني للسياسي تتطلب وجود «سياسيين» أصلا..التكنوقراط لا يعالج مشكلة إلا بعد إخضاعه لمؤسسة سياسية ديمقراطية .
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في الاردن
بسام البدارين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق