بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 مايو 2015

◘ «إقرأ يا نائل» ... تاريخ قرية ووطن


بعد سيرتين متتاليتين، تناول فيالجزء الأول منها، «درب وسنابل»، حياته طفلاً ويافعاً ثمّ تلميذاً فدبلوماسياً وسفيراً في عواصم العالم، وانتقل في جزئها الثاني، «مذكراتي وزيراً للخارجية والمغتربين»، إلى الشقّ السياسي من حياته كوزير في حكومة تشكّلت في أصعب الظروف اللبنانية وأخطرها، يُقدّم فوزي صلّوخ كتابه الجديد بعنوان «إقرأ يا نائل» (دار المنهل اللبناني). وفيه يتوجّه صلّوخ إلى حفيده نائل، المُراد به الأجيال
الطالعة، على غرار كتاب «إسمع يا رضا» الذي يروي فيه أنيس فريحة حكايا عن القرية والساحة والمدرسة وقضيب الرمان والعليّة والدالية، مخاطباً ابنه الصغير رضا. هكذا، يعود صلّوخ إلى قريته القماطية، المكان الأول، وإلى الذكريات والعادات والتقاليد والحياة البسيطة وقصص الأجداد، أصحاب الأرواح النبيلة، ممّن كدّوا واجتهدوا وجاهدوا في سبيل توفير حياة أفضل للأبناء والأحفاد. وهو إن عاد إلى الماضي، فإنه يعود إلى زمن الأصالة والتراث. «العودة إلى الجذور واجب إنساني، كما هي فعل إيمان بمحبة المكان الذي هو جزء من الوطن. والولاء إلى المكان هو ولاء للوطن، الذي هو محبة ووفاء واحترام وشهادة. وعودة المرء إلى جذوره، هي العودة إلى المكان الذي ولد فيه وحبا وترعرع، ونشأ وشبّ، في أوساط العائلة والأسرة الكبيرة والجيران، وجمع سكان هذا المكان من أهل وأقرباء وأتراب وأصدقاء...».
هذا الكتاب أشبه بسفرٍ إلى المكان الأول، ويُشرك الكاتب في هذه الرحلة حفيده نائل، ومن خلفه كل أبناء جيله من رجال المستقبل، عساهم يقدّرون قيمة الأرض والعائلة والتراث، ويحافظون على إرث غالٍ ورثوه عن آبائهم وأجدادهم. وهذا ما يؤكده صلوخ في مقدّمة كتابه: «الهدف من هذا العنوان، تحميل الأمانة لحفيدي ولجيله، ولأبناء الأجيال الطالعة، مهما كانوا وأينما كانوا، أن يُفكروا بجذورهم، بقيتهم، بمنزلهم، بجيرانهم، بالتراث اللبناني المجيد والأصالة اللبنانية التليدة».
يُشكّل المكان، «القماطية» (مسقط رأس صلوخ)، محور الكتاب وجوهره، وهو حين يبحث في سيرة المكان وتحولاته، فإنه يحفر في الذاكرة والتاريخ، ومن هنا جاء اختيار العنوان الفرعي للكتاب «حكاية قرية في تاريخ وطن». وينقسم الكتاب إلى فصول عدة منها: «القماطية: موقعاً وتاريخاً ومجتمعاً»، «العائلات والأرزاق»، «سُبُل العيش»، «العلاقات بين الأهالي والمحيط»، «السياحة والاصطياف»، «المؤسسات القروية»، «القماطية بين حربين»، «لبنان ما بعد معركة الاستقلال»، «الشيخ بشارة الخوري: الصعود نحو الهاوية»، «كميل شمعون رئيساً للجمهورية اللبنانية»، «الجنرال فؤاد شهاب رئيساً، بناء الدولة الحديثة»، «الإثم اللبناني أم الحرب اللبنانية»، «رئيس طموح في زمن رديء».
يحفل كتاب فوزي صلوخ بالتواريخ والأحداث والوقائع التي عايشها الكاتب، إلاّ أنه يعرض في الخاتمة أحداثاً سياسية مهمة لم يأتِ على ذكرها في صميم النص، ومنها ثورات الربيع العربي وحرب تموز والحرب على غزة... وهو يكتب الخاتمة متوجهاً إلى حفيده لعلّه يجد هو وأترابه ما يفيدهم ويمنحهم الأمل بلبنان أجمل وعالم عربي أفضل.
«إقرأ يا نائل» كتاب يُزاوج بين الشخصي والتاريخي بلغة جميلة تنقل القارئ إلى ساحات القماطية القديمة وأهلها، ومنها إلى تاريخ لبنان المثير بصعوده وحروبه وتحولاته وتخبطاته التي لا تنتهي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق