بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 12 مارس 2015

◘ عولمة تلفزيونية - محمد موسى

وصلت عائدات بيع البرامج التلفزيونية البريطانية في العالم السنة الماضية إلى ما يقارب بليون ونصف بليون يورو، ليكون 2014، الأعلى في إيراداته لجهة تصدير المُنتج التلفزيوني البريطاني. يأتي هذا الرقم الكبير ليخالف الانطباع العام، بأن البريطانيين خسروا معركة تصدير البرامج للقنوات الأميركية في السنوات الأخيرة. فعلى رغم هيمنة الدراما الأميركية في السنوات العشر الأخيرة على أوروبا والعالم وحتى في بريطانيا نفسها، إلا إن المبلغ الهائل الذي حصدته شركات التلفزيون البريطانية وقنواته يُبين إن «التلفزيون» ليس دراما فقط.

فإلى جانب المسلسلات التاريخية التي تستأثر عليها بريطانيا دائماً، والبرامج الطبيعية والأطفال، والتي يتفوق فيها البريطانيون، حصد مسلسل الخيال العلمي البريطاني «دكتور هوو» على مرتبة مُتقدمة في قائمة أكثر البرامج مبيعاً في العالم (بيعت حقوق عرضه إلى ما يقارب 50 بلداً). كما حصلت مسلسلات خيال علمي محدودة الموازنات على مكانة جيدة أيضاً، إضافة إلى برامج تلفزيون الواقع.
يمكن قراءة النجاح البريطاني بأنه تأكيد جديد على هيمنة اللغة الإنكليزية، كلغة تلفزيون العالم في الأمس واليوم وربما في المستقبل. فهذه اللغة الوحيدة القادرة على عبور حدود الدول والقارات، فيما بقيت دول عدة كبيرة في إمكاناتها التلفزيونية بعيدة من الوصول ببرامجها إلى خارج حدودها الجغرافية.
اللغة وحدها ليست المفتاح السحري للوصول إلى قلوب المتفرجين، وإلا كانت البرامج الكندية أو الأسترالية حققت مكانة مُشابهة، فالتلفزيون البريطاني لا يتوقف أبداً عن الابتكار، وهناك في الجزيرة الصغيرة، يقع مُختبر التلفزيون الأكبر والأكثر جرأة وأهمية في العالم.
تُشير الأرقام الأخيرة وتفصيلاتها إلى اتساع المشهد التلفزيوني العالمي، فكثير من البرامج البريطانية من العام الماضي ذهبت حطباً لساعات بث قنوات تلفزيونية حديثة العهد، فضلت البرامج التلفزيونية البريطانية كخيار أمين لمشاهديها.
تُدين البرامج البريطانية أيضاً لشركات تجهيز التلفزيون عبر الإنترنت، والتي اشترت مجموعة مُهمة من تلك البرامج. كما من المتوقع أن تغير هذه الشركات في طبيعة المنتج نفسه، فالكاتب البريطاني وغيره، أصبح يُفكر بجمهور عالمي، خارج حدود الهوية الضيقة. في الوقت الذي يزداد ذكاء وتطلب هذا الجمهور الذي أضحى يبحث في مفردات العمل الفنيّ عما يناسبه، ولم يعد يقنع أبداً بما تقدمه قناته التقليدية، بعدما أصبح الإنترنت يوفر له خيارات تلفزيونية شديدة التنوع.
وإذا كان مفهوم العولمة تراجع اليوم مع حروب الطوائف والهويات التي نعيشها، إلا أن أرقام بيع المنتجات التلفزيونية حول العالم تُذكر أن العولمة التلفزيونية لم تتوقف، وأن هناك دولاً ومؤسسات قليلة فقط تتحكم في ما يصل إلى شاشاتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق