بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مارس 2015

◘ الهجرة والمستقبل وموت الأمم - علي بن طلال الجهني

جاء في هذا الحيز في 10-3-2015 موضوع عن هجرة المسلمين إلى أوروبا، بعنوان «الهجرة والنفور من النفس»، وتحديداً عما قد تسببه هجرة عرب شمال أفريقيا إلى أوروبا، والمسلمين الآسيويين إلى بريطانيا من نفور في النفس قد يؤدي إلى إحباط أبناء المهاجرين وبناتهم. والإحباط قد يسبب التطرف، والتطرف كما قال الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله)، هو وليد الإرهاب.
ويعود السبب الأهم الذي يؤدي إلى إحباط أبناء المسلمين وبناتهم في أوروبا عموماً وفي بريطانيا خصوصاً بالنسبة إلى أولاد المهاجرين المسلمين الآسيويين، إلى رفض قبولهم في الأوطان التي ولدوا فيها واعتبارهم مواطنين حقيقيين، فالفرنسي من أصل أوروبي لا يَعتبر أولاد المهاجرين الذين ولدوا في فرنسا من أصول عربية إسلامية من شمال أفريقيا فرنسيين، وكذلك البريطاني لا يعتبر أولاد الآسيويين، من مسلمين أو غير مسلمين، الذين ولدوا في بريطانيا بريطانيين. وقد يصاب المهاجر الآسيوي، مسلماً كان أو غير مسلم، بـ «الإحباط»، لكن أكثرية من يتطرفون ثم يتحولون إرهابيين هم من المسلمين، وهذه للأسف حقيقة يثبتها الواقع المعاش.

لكن للهجرة إلى أوروبا جانب آخر مهم بأقصى درجات الأهمية بالنسبة إلى أوروبا، فهجرة المسلمين إلى أوروبا عموماً، بما فيها الجزر البريطانية، قد تكون كارثة بالنسبة إلى المسلمين، لأن نسبة ولو صغيرة منهم يتحولون إرهابيين قتلة أكثر ضحاياهم من المسلمين. لكن أوروبا (وحتى روسيا واليابان) تواجه معضلة حقيقية يعرفها الاقتصاديون الأوروبيون وغيرهم من المهتمين. وجوهر المشكلة أن عدد من يولد في أوروبا سنوياً للأسر الأوروبية أقل من عدد الوفيات السنوية. هذا في المتوسط وليس بالضرورة ما يحدث في سنة من بين عشرات السنين.
أما بالنسبة إلى المهاجرين، فإن عدد أولادهم يزيد، وبمرات عدة، على عدد أمواتهم.
والمعضلة التي تواجهها أوروبا، ومعها روسيا واليابان، في المستقبل القريب والمنظور، والتي تسبق موت الأمة بسبب تناقص أعداد المواليد، ليس حرفياً الزوال، وإنما تناقص عدد العاملين ممن هم في سن الإنتاج وكسب الأجور عن العدد المتنامي من المتقاعدين أو المحالين على المعاش. ومما يزيد هذه المشكلة الاقتصادية تعقيداً أن أعمار المتقاعدين تتصاعد بسبب التقدم العلمي الذي يأتي يومياً باكتشافات واختراعات تصون صحة المعمرين كما تصون صحة الشباب، ويتبع ذلك تصاعد تكاليف العناية الصحية.
ينخفض الدخل الكلي ويزيد الإنفاق الكلي نتيجة لتصاعد عدد المتقاعدين وتناقص عدد المنتجين بمعادلة رياضية بحتة، ربما لن تحلها إلا القفزات التقنية الهائلة التي تؤدي إلى التقدم في هندسة وتوظيف «الروبوتات» الآلية التي لا تشيب ولا تحتاج إلى عناية صحية مكلفة. والأرجح بأن تكاليف صيانتها قليلة، إذ إن تسامي كفاءتها وتجديد نفسها يحدث باستمرار. لكن العائد المالي على «الروبوتات» سيذهب إلى ملاكها ومن يبرمجونها، ما يقضي بضرورة إيجاد تشريعات تكفل للجميع الحد الأدنى من المعيشة.
نعود إلى المشكلة الاقتصادية الحالية التي تواجهها الدول التي يزيد عدد وفيات مواطنيها على عدد مواليدها، وبالتالي تناقص دخلها الكلي وتزايد إنفاقها الكلي. والحل الوحيد في وقتنا الحالي هو قبول مزيد من المهاجرين، والاحتمال الأكبر أن الأفضلية ستُعطى للمهاجرين من الدول والمناطق التي يقل احتمال تطرف أولادها، وبالتالي تجنيدهم في المنظمات الإرهابية.
وخلاصة الموضوع أنه لا بد للدول التي تواجه المشكلة السكانية (أو الديموغرافية) الحقيقية، وليست المتخيلة، في زيادة عدد الوفيات على عدد المواليد، من أن تجد طريقة تستفيد من خلالها من توطين المهاجرين كثيري المواليد، وتتفادى بقدر المستطاع التفرقة العنصرية المقيتة ضدهم التي تكون من أسباب الإحباط والنفور من النفس. وليس كل محبط يتحول إلى إرهابي، لكن الإحباط من الشروط الضرورية للإصابة بالتطرف، والتطرف هو أبو الإرهاب وأمه.
غير أن موت الأمة التي يزيد عدد وفيات أبنائها على مواليدها لا محالة سيحدث إذا لم يحدث ما يغير هذه المعادلة، إما بزيادة المواليد، وليس بتقليل الأموات فقط، وإما بزيادة عدد المهاجرين من المناطق الأقل نمواً التي يكثر عادة عدد مواليدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق