بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 15 مارس 2015

هكذا شتّتوا مسيحيّي المشرق! - الياس الديري

لا يتسع المجال لقول كل شيء وكل الحقيقة عن "المسألة المسيحية" و"معاناة المسيحيين" في الشرق الأوسط، الذين يتعرّضون منذ عقود لما هو أخطر وأبشع من الاضطهاد والتهجير والقتل بكل أنواعه. ومَنْ يقف خلف المؤامرات، ومَنْ يموّلها.
هيهات أن يتجنّد شاهد حق منصف، فيكشف الغطاء عن واضعي المخطّطات ومدبّري حروب الإبادة والفتن، والمحرِّضين على إبعاد أهل الأرض والتاريخ عن أرضهم وتاريخهم.
فالمسيحيّون المشرقيّون مُستهدَفون من الإرهابيّين والمتطرّفين منذ زمن بعيد. وما زالوا إلى هذه اللحظة. وسيبقون إلى الآتي من الأيام عرضة لمخطّطات ومشاريع مشبوهة، تقف خلفها مؤسّسات غربيّة متعاونة مع تنظيمات في المنطقة. والهدف واحد: اقتلاع المسيحيّين من الجذور.
وإذا كانت ثمة جهة معيّنة يمكن تحميلها مسؤوليّة "معاناة مسيحيّي الشرق الأوسط"، كما ورد في تقرير أصدره "مركز التقدّم الأميركي" ونُشر في "النهار" أمس، فهي الغرب بمعظم دوله. وفي رأس لائحة الاتهام يبرز دور الولايات المتحدة الأميركيّة والمخطّط الخبيث الذي ركّز جهوده على "قلعة" المسيحيّين المشرقيّين في لبنان.
وتأكيداً لهذا الدور الذي أوصل الوضع المسيحي في المشرق إلى الانهيار والتبعثر والفرار إلى أحضان الاغتراب، لا بدّ من العودة بالذاكرة والأذهان إلى "اللادور" الذي لعبته الإدارة الأميركيّة خلال حرب السنتين، مع استحضار "المبادرة التهجيريّة" التي حملها إلى بيروت المستر دين براون موفداً من الرئيس رونالد ريغان.
وخلاصة العرض الذي حمله براون إلى "الجبهة اللبنانية" التي تضم عدداً من أركان المسيحيين خلال اجتماع في دير سيّدة عوكر: إن المراكب تنتظر الراغبين من المسيحيين في الهجرة على مقربة من الشاطئ اللبناني.
مع إغراء بفتح حدود وأبواب أميركا وأوستراليا وكندا لاستقبال الوافدين الجدد، ووعد بالتجنيس الفوري، مدعوم بمبلغ قيل يومها أنه في حدود السبعين ألف دولار لكل عائلة!
صحيح أن "الجبهة" رفضت العرض، لكنّ حركة حزم الحقائب والصعود إلى الطائرات والبواخر لم تتوقّف، "موفّرة" لأصحاب "المشروع" التهجيري نزفاً مسيحيّاً لم يهدأ حتى اللحظة. ولم يقتصر على لبنان، بل شمل كل الدول التي لا تزال "تستضيف" أقليّة مسيحيّة.
وليكتمل النقل بالزعرور، تكلّلت المبادرة الاقتلاعيّة بالتعديل الدستوري الذي قلص صلاحيّات رئيس الجمهورية، ونقل معظمها إلى مجلس الوزراء الذي حلّ "عمليّاً" محل الرئيس. إلا أنَّ "المعاناة" ليست هنا بكل حذافيرها، وهي لا تفتقر الى شهود كونها مستمرة.
لولا "الحرص" الأميركي والغربي بصورة عامة لما أُفرغ الشرق الأوسط، ولا يزال يُفرغ إلى اليوم، من البنّائين الأساسيّين الذين حقّقوا نهضة المشرق وأبدعوا تفوّقه المذهل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق