بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 مارس 2015

«الداعشية» في الإدارة الأردنية بسام البدارين

لا يمكن التغافل أردنيا على الأقل عندما تتحدث الدولة والشارع بلغة وطنية موحدة ضد الإرهاب عن تلك المساحات الفاصلة والفارغة في مستوى الأسئلة المعلقة والإدارة الكارثية لبعض الملفات ما دام الهدف في النهاية تعزيز مزاج التسامح والإعتدال وهزيمة أو التصدي لمهمة هزيمة التطرف والغلو والتشدد.
ثمة في تقاليد الممارسة اليومية مظاهر تطرف إدارية أيضا وثمة متشددون في كل المؤسسات والدوائر الرسمية يتمسكون وبغلو بكل المؤشرات والطقوس المعادية للديمقراطية ولحريات الرأي ولحقوق الأفراد والمواطنين في الحصول على «خدمة أفضل». 
وثمة منظرون للتطرف السياسي لا زالوا في مقاعد الحكم البارزة يمثلون الرأي القائل بأن الدولة ينبغي أن لا تتحدث مع الشعب وبان الأخطاء المتراكمة ينبغي ان لا تخضع للنقاش. 
الموظف الذي لا يقوم بواجبه يوميا ويعرقل مصالح المواطنين متشدد أيضا في التقصير اليومي وسلوكه السلبي لا يقف عند تهديد مباشر لمصالح فرد او مجموعة مواطنين بل يساهم في تقليص مسافة الأمان بين الناس والدولة ويسيء لإدارته قبل اي شيء آخر.
التراخي في مجابهة الفساد والفاسدين يعبر هو الآخر عن نمط مؤذ من أنماط التشدد في التعاكس مع أحلام الناس وآمالهم بإنتهاء ظاهرة الفساد حتى في أبسط مستوياته المتعلقة بتفوق الواسطة والمحسوبية على أنماط الإدارة العادلة فكل الخدمات تقريبا هذه الأيام يحتاج المواطن للتدخل الخفي والخلفي من أجل الحصول عليها رغم أنها عبارة عن حقوق أساسية.
ثمة تطرف بالمقابل في الإصرار على بقاء الإدارة الكلاسيكية لمؤسسات الإعلام ولإنسياب المعلومات ولأساليب ومظاهر الإنفتاح الإعلامي ، الأمر الذي جعل الإعلام المحلي بكل تعبيراته خارج نطاق اي تأثير خارج البلاد وحتى داخلها خصوصا مع سيادة الذهنية الأمنية في مدرسة الإعلام ومع إستمرار التحكم عن بعد بغالبية وسائل الإعلام والإمتناع عن إطلاق الحريات النقابية والتعبيرية بسبب مسوغات لا مبررلها ولا تنتمي إلى العصر الحديث ولا لحتى لتلك اللغة الإصلاحية والديمقراطية التي يستعملها الخطاب الملكي.
في عمق مؤسسات القرار تجلس بإسترخاء نخبة عريضة من شخصيات الحرس القديم المتشددة للغاية وبصورة جذرية ضد كل ما هو إصلاحي والتي لا تؤمن بالتغيير وتستأسد في الدفاع عن نظريات الإدارة المغلقة الشمولية فتمنع إنطلاق ونمو تشريعات الإصلاح السياسي وتتمسك بقواعد بالية وتنتمي للماضي في آلية الإنتخاب وتسهر على تزوير وترويج عقلية تزوير اي إنتخابات في اي وقت ولا تؤمن بالرأي الآخر.
داخل أروقة السياسة وفي مجالس الحكم والإدارة يوجد متطرفون لا يمكن إلا رصدهم في كل الأرجاء يعملون بصمت وصخب ضد اية أفكار تنويرية او عصرية أو حتى إصلاحية ومعادلتهم كانت دوما تتمثل في الحفاظ على مصالحهم الضيقة والنافذة تحت ستار تخويف أجهزة الدولة وقيادة البلاد من تكاليف الإصلاح والتغيير والتركيز على إستهداف كل قيمة ديمقراطية او كل سلوك يتأمل إبراز فكرة دولة القانون ومعيار المؤسسات. هذه النخب كما نقدر وأجرنا على الله قد تشكل خطرا على المستقبل لا يقل عن أخطار المجرمين الإرهابيين في جوار الأردن لأن عملها من داخل المؤسسات يعطل ذهن الدولة وعقلها الجمعي ويحول بين قطاع حيوي وفعال من الشباب الأردنيين المبدعين الذين يتحينون الفرص لخدمة بلدهم ومؤسستهم وشعبهم.
خطيب أو إمام أوواعظ المسجد المعين من قبل وزارة الأوقاف يتشدد بدوره ايضا أحيانا في هدر وقت المؤمنين وإشغالهم بقضايا سخيفة وبائسة بحجة الإبتعاد عن السياسة وشؤونها وشجونها مرددا تلك الإسطوانات المشروخة التي تظهر بأن خطبته كأنها كتبت للتو في مركز أمني أو من قبل شرطي وليس في اي مكان آخر.
في عالم اليوم وإذا كان وزير الأوقاف النشط مصرا على محاربة الغلو والتطرف فعلا في الخطاب الديني المجتمعي عليه أن يوقف إستراتيجية « من الكياسة عدم الخوض بالسياسة» فمن يهدر وقت الناس في وحدة توجيهية أساسية مثل المساجد بتلك الأدعية المعلبة أومظاهر «التسحيج» التي لا يحتاجها صاحب القرار وبطانته أو بتلك القصص والحكايات المكررة من كتب ومؤلفات السيرة.. من يفعل ذلك في منابر الله وبيوته يترك عن جهل او نفاق عقل المواطن نهبا للخطاب الديني المتطرف الموجود الآن في الأسواق عبر أشرطة فيديو إرهابية مخيفة ومعدة بعناية وتفوق ومتعوب عليها فيها من الموسيقى والمؤثرات الصوتية والتقنية الكثير.
صديق لي لاحظ بأن خطيب المسجد المعين من الأوقاف في أقرب نقطة لمقر أكبر جهاز أمني في البلاد ختم خطبته في أول جمعة بعد الإعدام الإجرامي للشهيد معاذ الكساسبة بعبارة يطالب فيها المصلين بعدم تهنئة الأردنيين المسيحيين بأعيادهم ومسؤول أحد أضخم المساجد في العاصمة عمان رفض دخول طالبات إبتدائي مسلمات ومسيحيات لباحة المسجد بحجة أنهن «سافرات»..يحصل ذاك في صحن المؤسسات السيادية وبالقرب من القصور الملكية بمعنى أن صاحبنا إياه لم يستمع حتى لخطاب الوزير المشرف عليه ولم تصله كل رسائل الإعتدال التي توصلها الدولة التي يعمل فيها موظفا.
بإختصار وبعيدا عن الكثير من التفاصيل يمكن القول بأن هزيمة الإرهاب والفكر المتطرف في عمق المجتمع الأردني تتطلب إذا كنا جادين ولا نتحدث عن خطاب سياسي توظيفي فقط مواجهة كل أنماط «الداعشية» في وسط وعمق المجتمع وكل المؤسسات حيث يتخندق كثيرون خلف أنماطهم الإدارية وسياساتهم المعلبة ويظهرون الإستعداد لإيذاء الجميع مقابل البقاء في الواجهة أو السلطة. لن ننجح في الأردن بقيادة اي مجموعة حولنا أوفي العالم ضد الإرهاب إذا لم نتصد له في عمق الحالة المحلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق