بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

خطايا ما بعد ثورة 30 يونيو وإجراءات عاجلة مطلوبة! محمد عبد الحكم دياب

ما زالت مصر على حالها من الاحتقان وتتقدم خطوة وتتراجع خطوات، وما يتم أدنى من الطموح وأقل من المطلوب، ويبدو أن السبب يكمن في طبيعة الثورة ذاتها. وأذَكّر فقد تكون الذكرى مفيدة؛ في ذروة الفعل الثوري، قبيل تخلي مبارك بأقل من اسبوع (تحديدا في 5/ 2/ 2011)، أشرت إلى ضرورة تفهم الطبيعة الخاصة لثورة 20 يناير، كونها عابرة للأيديولوجيات والأحزاب والطوائف،
وكان يحدوني الأمل أن تبادر هيئة أو مؤسسة أو جماعة فتعكف على دراستها وتشريحها واستنباط ما يناسبها من حلول وطرق التعامل معها، وهذا لم يحدث.
وما لم تراهن عليه ثورة يناير وجدته حاضرا؛ أيديولوجيات تتصارع وتتقاتل، ومنها من ارتد إلى الماضي، وغاص في الكهوف والمقابر؛ بحثا عن حل جاهز.. يكفيه مؤونة البحث ومعاناة الاجتهاد، وكانت فرصة الأحزاب القديمة بأن نفضت غبارها، وأخرجت دفاترها العتيقة تجتر ما بها والأحزاب الجديدة انتشرت وكانت كالفطر المتجه نحو المغانم والمكاسب والمناصب، وتأخذ من الثورة ما لم تقدمه لها، وكانت فرصة ملوك الطوائف ودعاة الفتن لإعلان الحرب على الحياة؛ بما فيها من بشر وحيوان ونبات وحجر، مع عداء مطلق للجمال والبهجة والتسامح، وانتشرت بينهم ثقافة الموت وتغطت الحياة بالكآبة وبغلالة كثيفة من السواد، وصارت للطوائف والجماعات والفرق والعصابات أحزاب ما قبل الجمعيات السياسية في العصور الوسطى؛ وجدت من يمولها ويغدق عليها.
وأذكر أنه منذ أن وطأت قدماي أرض مطار القاهرة بعد طول غياب ونفي لالتحق بالثورة قلت لمن أعرفهم من الثوار؛ أنني عاهدت نفسي ألا أراهن على شيء لم تراهن عليه الثورة.. ملزما نفسي بالعمل خارج الأحزاب بحثا عن مكان بين دوائر ما أسميه ‘الملتزمين بالثوابت الوطنية العابرة للأيديولوجيات والأحزاب والطوائف’، ولم يكن الأمر سهلا، ووجدت البعض مشغولا بالحشد والتظاهر، والبعض الآخر مستغرق في تقديم نفسه للسلطة الجديدة بحثا عن جاه أو منصب أو خلعة أو صرة دنانير. وذهب كل إلى حال سبيله ساعيا إلى ما يريد ويتطلع أو ‘يجد على النار هدى’!.
وحلت السياسة بديلا للثورة، فالسياسة يسهل تحميلها مضامين طائفية ومذهبية وانعزالية وفاشية، وهذا لا يستقيم مع الثورة، وهذه ‘الهوجة’ أفقدت ملوك الطوائف وشيوخ الفتنة توازنهم، فاندفعوا على طريق ‘غزوات’ مستحدثة؛ بدأت بـ’غزوة الصناديق’؛ وتمت تتويجا لأول استفتاء طائفي ومذهبي في تاريخ مصر؛ أصبح عنوانا لحرب ‘داحس وغبراء’ مصرية.. حولت الوطن من مثابة أمن إلى ‘دار حرب’ يتقاتل أبناؤها فيما بينهم.
وتفرق دم الثورة بين المتقاتلين؛ كل هذا والثوار خارج المشهد، واستمرت علاقتهم بالسلطة قائمة على المواجهة والصدام، ولم يتمكنوا أو يمكنهم أحد من الإمساك بناصية القرار، ولنكتشف أن كل الأطراف شاركت في صناعة هذا المشهد منذ 11 فبراير 2011 حتى الآن.
الثوار اعتادوا بعد كل مليونية ترك الساحة خارج ‘التحرير’ وميادين الثورة الأخرى للغير، الذي استأثر بالغرف المغلقة، وقد تحصنت فيها فلول مبارك ومؤيدو مرسي، وشهدت هذه الغرف مراسم زواج المجلس العسكري السابق برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي وجماعة الإخوان المسلمين، وكان المهر مُلك مصر وحصل عليه محمد مرسي، ولما فشل في صيانته حدثت التداعيات المعروفة التي أدت إلى ثورة 30 يونيو.
وينبئ الموقف في تعقيداته الراهنة إلى أن مصير ثورة 30 يونيو قد لا يختلف عما وقع لثورة 25 يناير، وأرى أن شعبية السيسي الكاسحة والإنتظار حتى حسم معركة الإرهاب في سيناء قد يزيد الوضع تفاقما، فمصر في حاجة إلى عمل يرتقي إلى الطموح الحقيقي للشعب والثورة، وألا تبقى الجهود محصورة في العمل الورقي والأمني والنظري، والمطلوب إجراءات عملية وعاجلة تعزز استقلال الإرادة الوطنية، وتحسم ميوعة الموقف من مطلب العدالة الاجتماعية، ومن بدء التنمية الشاملة، ووقف ابتزاز المستثمرين وعدم التمادي في الإغداق عليهم وإفقار باقي الشعب؛ وهو الأولى بالمليارات التي تلقي بها الحكومات المتعاقبة في جب بلا قرار لدعم فئة لا تشبع ولا تقنع وتجأر دائما بالشكوى فيهرول إليها المسؤولون طلبا لرضاها؛ وفي اب/أغسطس الماضي، وعلى هذه الصفحة أيضا كتبت عن أهمية ‘اقتصاد الحرب’، وتناولته أقلام أخرى بعدها، وإذا لم تتخذ الإجراءات العاجلة واللازمة لاقتصاد الحرب فإن مصر تتجه إلى المجهول.
ويتحمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسؤولية الأولى في تصحيح الوضع، الذي صنعه أسلافه، وفتح القنوات المسدودة مع الثورة، ومع الذين يتصدون لجماعات العنف المسلح، ويواجهون رعونة ‘المراهقين الثوريين’ وفرق الفوضويين والجماعات المؤمركة والمصهينة، وكلهم يحملون السلاح سبيلا لتقويض الدولة وشق الجيش وإسقاط الشرطة وهدم القضاء والتنكيل بالأزهر، وفي عدم اعتماد الأسلوب الأمني فيما ليس إرهابا؛ على أن توجه دعوة مفتوحة لقوى الثورة وحلفائها من القوى الوطنية للقاء على هيئة ‘مؤتمر وطني’ جامع تذاع جلساته على الهواء مباشرة، وليكن جدول أعمال المؤتمر هو كيفية الخروج من المأزق الراهن، وسبل تمكين الثوار من الحكم، وتترك المسؤوليات الفنية والإدارية لذوي الخبرة والمؤهلين من قوى الشعب.
وشرط نجاح هذا المسعى هو تدارك خطايا تقترف حاليا وهذا بعضها:
1) خطيئة الرهان على حلول تقليدية ثبت فشلها، وما زال حازم الببلاوي يراهن عليها، ويأخذ بوصفة العلاج الغربي، التي تهتم برجال الأعمال وتزيد من دعمهم، وما زالت تجربتهم الفاشلة والفاشية محفورة في ذاكرة المصريين، ومن لم يتعلم منها لا رجاء فيه، ومن لا يقدر على إعداد ‘مشروع وطني للتنمية’، يكون دليله لكبح جماح السوق، والحد من جبروت ‘أثرياء الأزمات’ والبلطجة، وضبط الأسعار، وتأهيل مئات المصانع المعطلة، وتذليل العقبات المعوقة لدور الدولة في رفع مستوى المعيشة، وحل مشكلة البطالة.
2) خطيئة استمرار تصفية إنجازات الثورات الوطنية السابقة، وعندنا نموذجان: النموذج الأول.. وضع ثورتي يناير ويونيو وكأنهما جاءا ليهيلا التراب على الثورات الوطنية ومكتسباتها، وكما ردت ثورة 1952 الاعتبار لثورة عرابي، وقدرت ثورة 1919 ولم تتجاوز في انتقادها الإشارة إلى ضعف التوجه العربي، وإخفاقها في إجلاء الاحتلال وغياب الوعي الاجتماعي، يجب أن يتغير الموقف من تصفية القطاع العام تحت رايات ثورتي يناير ويونيو، وهو من أهم إنجازات الشعب، مع حصر ما تبقى منه تحت مسمى ‘قطاع الأعمال العام’ ليكون نواةَ لقطاع عام جديد، وضبط إيقاع القطاع الخاص على التوجه الوطني؛ واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، وإحياء النظام التعاوني، وتيسير إقامة الجمعيات في مجالات الاستهلاك والانتاج الصناعي والزراعي والتسويق والحرف والإسكان والخدمات (تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية)، وعلى هذه المرتكزات الثلاثة تقوم منظومة التنمية الحقيقية.. النموذج الثاني يتمثل في الإصرار الغريب والاستعلاء غير المبرر على العمال والفلاحين، وإلغاء نسبة تمثيلهم في المجالس المنتخبة، وأن يحدث هذا تحت رايات ثورتي يناير ويونيو، فهذه مصيبة؛ خاصة أنهما لم ينجزا شيئا لصالح الطبقات العاملة والمنتجة بعد، وبدلا من عداء الفلاحين والعمال باسم الثورة؛ عليهم إنجاز شيء ذي قيمة، وليكفوا عن التربص بواحد من أهم منجزات الشعب، ونسبة الـ50′ ليست محاصصة (كوتة) عرقية ولا طائفية ولا عنصرية إنما حق طبيعي واجتماعي وسياسي وأخلاقي لقوى تكدح وتعرق وتتجاوز نسبتها 70′ من عدد السكان.
3) خطيئة الاستعانة بعناصر وشخصيات تعادي الثورة وكانت هيمنتهم واضحة في لجنة الخمسين المكلفة بوضع مسودة الدستور، والمثل الصارخ هنا هو عمرو موسى، وله بصماته على النصوص المقترحة، حتى بدت ‘موسوية’ تسبر على هواه وهوى مؤيديه، وأبلى بلاء غير حسن لعودة مجلس الشورى سيئ الصيت، وخطايا موسى من الفداحة التي تضعه تحت طائلة القانون. وعمرو موسى أضعف الخط الوطني داخل وزارة الخارجية المصرية منذ أن دخلها في 1991، ويبدو أنه كان ‘خلية نائمة’ للتطبيع، تخلصت من تراث من سبقوه؛ اسماعيل فهمي، الذي استقال احتجاجا على زيارة السادات للقدس المحتلة، ومحمد رياض الذي رفض شغل منصب وزير الخارجية لنفس السبب، ومحمد إبراهيم كامل المستقيل أثناء محادثات ‘كامب ديفيد’، ولم يتحمل حجم تنازلات السادات لمناحم بيجن، فترك المفاوضات وخرج منها إلى المطار عائدا للقاهرة. وخطيئة الخطايا أنه كان أول من طلب بيع الغاز للدولة الصهيونية، وحرمان أصحابه منه، ولما تسرب الخبر نفاه، وعندما نشرت ‘المصري اليوم’ نص رسالته إلى وزير البترول أسقط في يده، وقدم تبريرا سخيفا بأنه كان تشجيعا للدولة الصهيونية بعد مؤتمر مدريد، وخطيئته الأخرى أنه أول من اعترف بالاحتلال الأمريكي للعراق، وسارع بتسليم مقعده في الجامعة العربية لمندوب ‘بول بريمر’ أول حاكم أمريكي في بغداد. ولما شكل الرئيس عدلي منصور لجنة الخمسين وبها عمرو موسى أيقنت أن العد التنازلي لثورة 30 يونيو بدأ.. فهل ما زال ‘الطرف الثالث’ أو ‘اللهو الخفي’ يملي الأسماء التي تتقلد المسؤوليات الكبرى والمناصب الهامة، وحين نجح في رئاسة اللجنة تأكد لي أن حكم مبارك قاب قوسين أو أدنى من العودة!!.
4) خطيئة إصدار قوانين لا تراعي الاحتقان المتصاعد، ولا تقدر رد الفعل الغاضب عليها، ومثال ذلك مرسوم بقانون صادر عن رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور لتنظيم التظاهر، مع أن القانون عادي، وقد قرأته أكثر من مرة، وإعادة النظر فيه ممكنة، لكن مصر تمر بظروف جعلته مبررا لممارسة العصيان، هذا بجانب ميل قضاة لإصدار أحكام مشددة على طلاب وطالبات صغار السن تظاهروا مثل الآلاف غيرهم، وأن تصل الأحكام بالسجن إلى 11 و13 عاما؛ هذا منتهى القسوة، فالأحكام على المخالفات والجنح العادية تتراوح بين الغرامة والسجن المخفف، فما هو السر الذي حدا بالقاضي أن يكون بهذه الشدة؟

وهل هناك ما هو خفي في كواليس المشهد الحالي، وهو ما وصفه استاذ القانون الدستوري نور الدين فرحات على ‘الفيسبوك’ بأن مصر في خطر بسبب الأوضاع السياسية الملتهبة، ويشير إلى ما أسماه ‘أصابع الذكاء الاستخباراتي الأجنبي التي تحرك المشهد السياسي بأكمله’، مضيفا ‘قد ينفرج الستار عن مشهد لا يتوقعه أحد’ وختم مدونته بالدعاء ‘اللهم احفظ مصر والهم أهلها طريق الصواب’. فهل يمكن تدارك الأمر قبل ضياع الفرصة؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق