بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 نوفمبر 2013

القمة الأميركية - المغربية محمد الأشهب

لأنها جاءت على خلفية أزمة عارضة، فالقمة التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الأميركي باراك أوباما كانت أكبر من مساعي تبديد العتب. كونها ذات توجه مستقبلي يروم تقليب صفحات هموم إقليمية ودولية تطاول الأوضاع في الشمال الإفريقي ومنطقة الساحل جنوب الصحراء وتطورات أزمة الشرق الأوسط والمسألة السورية. ولا يعني إدراجها في أفق الحوار الإستراتيجي بين البلدين الحليفين، سوى أن حظوظ ترسيم السياسات الجديدة، تنطلق من التأمل ومعاودة صوغ المفاهيم والالتزامات المتبادلة.
لا يمكن الإدارة الأميركية، من موقع نفوذها الاقتصادي والعسكري والسياسي، أن تلغي منطق الإصغاء إلى مقاربات الأصدقاء. بخاصة حين تصدر عن قناعات مبدئية ترى أن المصارحة أفضل طريقة لتجاوز أي مظهر لسوء التفاهم. والأميركيون لا يمكن أن يطمئنوا إلى غير القول الصريح الذي يرتقي بالصداقات، كما أن حلفاءهم يرتاحون لبلورة معالم الصداقة عبر مواقف متوازنة، في جهود دعم السلام العادل وتحقيق الانتقال الديموقراطي الهادئ وبناء شراكات متكافئة، تفسح في المجال أمام التغلب على كافة الصعوبات ومواجهة التحديات.
ليس لأن المغرب يؤرقه ملف الصحراء، يترك باقي القضايا جانباً، فهاجس الاستقرار والأمن والسلم والتصدي للمخاطر والتهديدات الإرهابية ومظاهر الغلو والتطرف، جميعها التزامات لا تنفصل عن جوهر الانتقالات الإستراتيجية. سواء تعلق الأمر بالسعي لتفعيل الاتحاد المغاربي المتعثر، بهدف إقامة تكتل إنتاجي يطبعه الانسجام والتفاهم والتنسيق، أو بالتصدي للأوضاع المتفجرة في الامتداد الإفريقي على مشارف الساحل جنوب الصحراء، التي باتت في حاجة ماسة إلى تعزيز فرص الاستقرار والتنمية والرهان الديموقراطي، أو في نطاق منح مفاوضات الشرق الأوسط نقلة نوعية ودفعات قوية لتحقيق مشروع الدولتين الفاعلتين للتعايش في أمن وسلام، من دون إغفال تداعيات الأزمة السورية التي ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع في الشرق العربي.
العلاقات الثنائية مهما انطبعت بالثقة وروافد الشراكة المنتجة وتبادل المصالح، تحتاج دائماً إلى متنفسات إقليمية أكبر، تحررها من قيود الأزمات الإقليمية التي تنعكس عادة بصورة سلبية على مختلف الطموحات، وإذ بتداخل ما هو ثنائي وإقليمي ودولي عند محور علاقات الصداقة الثابتة، فإنها تحيل على كم هائل من الالتزامات المشتركة التي تقاس بالأفعال وليس النيات فقط.
وجددت القمة المغربية-الأميركية نموذجاً بهذا التوجه، أقله أن الرغبة في بناء علاقات استراتيجية أصبحت لها روافد في التعاطي أميركيا ومغربياً مع الأزمات الإقليمية. ففي قضية الصحراء تحديداً ساد توجه لدعم جهود الأمم المتحدة لإقرار حل سياسي دائم وعادل. ولم يكن لمعالم هذا الحل أن تتبلور من دون إقدام المغرب على طرح مبادرة الحكم الذاتي التي أخرجت القضية من مأزقها، وأعطت دفعة لخيار المفاوضات بين الأطراف المعنية، وعلى رغم التباعد القائم بين المواقف، فإن الدعم الأميركي لخيار المفاوضات برعاية الأمم المتحدة يحفظ لآليات الأمم المتحدة دينامية الحركة والتفاعل.
إلا أن الأهم في سياق منظور الحل السياسي أنه يفتح آفاقاً جديدة أمام المنطقة المغاربية برمتها، إذ يسود الوئام والتفاهم، وتستبدل لغة الصراع بمنطق التفاهم. وليس في غير الاتفاق على مواجهة المخاطر والتهديدات القادمة من بلدان الساحل، ما يضمن للموقف المغاربي حضوراً قوياً، وهو يواجه تحديات أمنية، لا تستثني أي طرف، ولا تفرق بين دولة وأخرى. بصيغة أخرى، فإن ما عجزت عنه مبادرات الانفراج السياسي التي توقفت أمام الباب المسدود يمكن أن يخترقه قرار شجاع يضع تحديات الخصر الجنوبي للفضاء المغاربي في مقدم الانشغالات. فالإرهاب والتطرف لا ينتقي خصومه. وعلى ذوي النيات الحسنة أن ينتقوا أساليب مواجهته، من دون تردد أو انتظار.
وإذ تخصص قمة ملك المغرب والرئيس الأميركي حيزاً كبيراً للتحديات الأمنية، فدلالات ذلك أن الحرب على الإرهاب والتطرف تستأثر بأهم الانشغالات. وليس مثل الدول العربية والإسلامية ذات الخيارات المعتدلة والبناءة، ما يكفل نقل التجارب الناجحة إلى عوامل ينخرها التطرف والمغالاة. غير أن ذلك يظل رهن إزالة التوتر وترجمة الطموحات المشتركة في بناء مجتمعات العدل والحرية والمعرفة إلى الواقع الملموس. والأكيد أن مسؤوليات الولايات المتحدة كقطب رئيسي في التوازن الدولي تزيد كلما لامست الملفات والقضايا العالقة عن قرب. فثمة محطات تفرض نفساً من غرب العالم العربي إلى مشرقه، تتطلب معاودة صوغ سياسات جديدة، على طريق بناء الثقة وتعزيز الصداقة والارتقاء بالتحالف إلى درجة تلتقي عندها كافة الرغبات ولا تعوزها القدرات.
كما أكد منطق الاعتدال ومبادرات الإصلاحات الهادئة وجاهته في تخطي الصعوبات، فإن الارتقاء بمستوى الصداقة إلى شراكات عميقة يعتبر اختباراً لإرادة السير على نهج الانتقال الهادئ الذي يحفظ للدول بنياتها ويحدث الأثر المطلوب بأقل قدر من الخسائر. ولا يختلف النموذج المغربي في محاورة الأميركيين عن غيره من النماذج الواثقة والهادئة التي تمشي قدماً بخطوات ثابتة. وثمة قضايا لا تحتمل التردد والإرجاء.


هناك تعليق واحد: