بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

خمسة مليارات سنة في العزلة - غسان الإمام

هذا الكتاب يطرح أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. لم أقرأه. إنما قرأت تقريرا وافيا عن محتواه. فالكتاب الصادر بالإنجليزية، عادةً، يتأخر وصوله إلى المكتبات الباريسية. الكاتب لي بيلينغز صحافي لم يسبق لي أن قرأت له. أو سمعت به. لكن النقاد والعلماء أشادوا به. وبالمعلومات المذهلة التي عرضها في الكتاب.

الأسلوب يبدو صحافيا ممتعا. لا يبتذل حقائق العلم. والموضوع مثير للفضول والتطفل، على عالم ما يزال العلم في أولى خطواته على سطحه. وقد دفعني إلى معالجة الكتاب كونه يقترب بالعلم من الدين السماوي، معترفا بثوابت مقدسة فيه، من دون أن يقول لك ذلك علنا. فلا بد أن تقرأ، لتكتشف مواطن ونقاط اللقاء بنفسك.
السؤال الأول والأهم الذي يطرحه الكتاب هو عنا نحن البشر. فهل نحن الأناس الوحيدون في هذا الكون الذي يقدر العلم عمره بـ13.7 مليار سنة؟ نتلقى إجابة غير كافية. فقد رصد ملاحو الفضاء. وحددوا مواقع 3500 كوكب شبيه بكوكبنا، في المجرَّة الكونية التي ننتمي إليها.
العلم هنا يقترب من الدين المؤمن بطول عمر الكون والأرض. والدين سبق العلم بالقول إن السماء طبقات وسماوات (والعلم يسميها مَجَرَّات). وبالطبع، فالدين يقدم الأرض مسكونة ببشر على هيئتنا وأشكالنا. لكنه يتحدث أيضا عن أبالسة وجن في أسفل سافلين. وعن ملائكة تَرَاءَوْا للأنبياء، بأشكالنا. وربما بأشكال نورانية باهرة الضوء. كما ورد في الكتب المقدسة.
هناك علماء ورجال دين من الأديان السماوية يتحدثون عن العلم وظواهره، في الدين وكتبه المقدسة. لا سيما في العالمين العربي والإسلامي، لإثبات أن القرآن الكريم انطوى على علم غزير بالكون. مع ذلك، فهؤلاء شديدو التحفظ والحذر في تناول قضية الروح والحياة. لأن الكتاب المقدس نهى عن ذلك. فالعلم بالروح (من أمر ربي) جلت حكمته وعلمه.
من هنا، فعلم الكون والفضاء. وعلم النفس، لا يلقيان قبولا واسعا لدى علماء الدين ورجاله. وعلم الفلك الذي لقي رفضا مطلقا لدى الكنيسة المسيحية في القرون الوسطى، ظل مشوبا، إلى وقت قريب، بالخرافة. والشعوذة. والتنجيم. وكلها نهى الدين عنها بحزم وحسم. لكن العلم حقق تقدما في القرن التاسع عشر.
وجاء العلماء، وفي مقدمتهم أينشتاين، ليقلبوا نظريات كثيرة عن علم الكون، بعد الحرب العالمية الثانية.
عن الأرض، يقيس العلم عمرها، بتقنيات أدواته المتقدمة. فيقدره بـ4.6 مليار سنة. لكنها مسكونة فقط بالحياة الحيوانية منذ نصف مليار سنة، بعد استكمال شروط الحياة. كالماء. والغاز (الأكسجين. والهيدروجين). غير أن هذه الكائنات، وفي مقدمتها الضخمة منها (كالدينوصور dinsour)، فقد انقرضت واختفت منذ 95 مليون سنة.
السبب العلمي للانقراض هو سقوط مُذَنَّبٍ فضائي ضخم في الحوض الكاريبي (بجوار المكسيك). ونجمت عن السقوط كرة ملتهبة التهمت الأرض. بعواصفها. وغازاتها. وغطتها بغبارها. وأحجارها. وخنقت الحياة الحيوانية بنسبة 60 في المائة، على مدى قرون عدة.
أما الحياة الإنسانية، فيقدر العلم وجودها على سطح الأرض منذ نصف مليار سنة. إلى هنا، لا يختلف العلم مع الدين السماوي، في الاعتقاد بطول عمر الأرض، والحياة عليها. غير أن الافتراق حدث منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، بين «مبدأ الخلق» الذي يدين به الدين (معتبرا أن الإنسان خُلق على هيئة آدم وحواء. وهي مستمرة على هذا الشكل إلى يومنا هذا) ونظرية «التطور».
يقول عالم الطبيعة والآنثروبولوجيا تشارلز داروين صاحب هذه النظرية إن الطبيعة منحت الفيزياء الجسدية القدرة على تطوير أجهزتها. أعضائها. حواسها، بما يخدم وظائفها. وعملها. أضرب مثلا بسيطا على نظرية التطور، بالبطة التي تفترق عن مثيلتها الدجاجة، بوجود الغشاء المطاطي الذي يربط بين أظافر قائمتيها، الأمر الذي يعينها على السباحة، وبقائها طافية. وقد حدث هذا التطور على مدى ألوف وربما مئات ألوف السنين. كما يزعم العلم.
مع العلمانية، انتصر العلم لنظرية «التطور». لكن العلماء المؤمنين ورجال الدين تمكنوا من توجيه انتقاد حاد لها. كاتهامها بالعنصرية. بالإيحاء بأن الإنسان الأوروبي، أو بالأحرى الإنسان الأبيض، هو الذي امتلك الذكاء، لاكتشاف «التطور العضوي».
راحت النظرية الداروينية تفقد مصداقيتها شيئا فشيئا. وفي عهد جورج بوش، ومع صعود شأن الدعاة الدينيين، وسيطرتهم التلفزيونية، فقد أُدرج نقد النظرية في مناهج التدريس جنبا إلى جنب، مع مبدأ «الخلق» الديني المسيحي، في المدارس الابتدائية والثانوية.
هل الحياة على الأرض مرتبطة بنهاية؟ الدين شديد التفاؤل. فهو يمنح الإنسان المؤمن أملا جديدا عندما يبلغ المؤمنين بأن هناك حياة جديدة، بعد الانبعاث من الموت. فيوم القيامة المدمر للطبيعة. والأرض.
وربما للكون كله، هو يوم الحساب. الإنسان الصالح الذي عمل خيرا في الدنيا. يذهب إلى الجنة. والإنسان الطالح يذهب إلى النار عقابا له.
أما العلم فهو شديد التشاؤم إلى حد الكآبة. فلا بعث عنده بعد الموت وانحلال الجسد. لكنه يلتقي في الوقت ذاته مع الدين، في تصور ما ليوم «القيامة»: كارثة إنسانية ينزلها الإنسان بنفسه، في تدميره المتواصل للبيئة، بالنفايات والغازات السامة والخانقة التي تطلقها حضارته الصناعية. أو اصطدام الأرض بكوكب آخر ضخم الجثة.
وفالت من فلكه. ثم هناك الفناء المحتم بعد فناء الشمس، بمعنى انطفائها، باستهلاكها طاقتها الملتهبة، وعُتمتها بانطفاء ضوئها. فالشمس هي التي تمد الإنسان بالحيوية والقوة.
هل يمكن للإنسان أن يهاجر من الأرض إلى كواكب أخرى، هربا من الزحمة السكانية. وضآلة الموارد.
والاختناق بالغازات؟ الكواكب المجاورة لنا في المجموعة الشمسية، ثبت من الزيارة والاستطلاع، أن شروط الحياة عليها غير متوفرة. أما الكواكب التي تبدو مشابهة لكوكبنا، في المجرات البعيدة. فلا نملك بعد التقنية اللازمة للتأكد من صلاحيتها للحياة. وقد حاولنا الاتصال بها بموجات الراديو. فلم يرد أحد علينا.
وإذا توفرت هذه التقنية، فوسائط السفر والانتقال غير متوفرة بعد. نعم، نحن نطير اليوم بسرعة أكبر من سرعة الصوت والرصاص. لكن لا نستطيع أن نطير، بعد، بسرعة الضوء. والمسافة بيننا وبين هذه الكواكب تقدر بملايين الساعات الضوئية. والرحلة تقتضي عمرا أطول من أعمارنا. وصحة وحيوية غير متوفرتين لدينا.
هل هناك تعويض، عن الوحدة والعزلة القاسيتين اللتين يعيشهما كوكبنا الأرض منذ نحو خمسة مليارات سنة؟ ربما العزاء في الإنترنت الذي اخترعته أميركا لتسليتنا. لكن يشاركنا فيه الإرهابيون. وعملاء المخابرات الذين يتجسسون علينا. والمتمولون اليهود الذين يديرون شركاته. وشبكات وصاله الاجتماعية.
هناك عالم افتراضي في الإنترنت تستطيع أن تعيش فيه، بهناء. وأمن. وسلام. ولا تدفع الضرائب التي أؤديها أنا مع الملايين الذين تلاحقهم الدول والحكومات كلما أشرفتْ على الإفلاس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق