بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 نوفمبر 2013

◘ هيبة الدولة العربية .. وهيبة المجتمع ايضا! حسين الرواشدة

كلما اطل العنف بأسه تردد السؤال عن “هيبة الدولة”، ومن المفارقات ان معضلة “الهيبة” هذه اصبحت العنوان الاول في سلّم اولويات عالمنا العربي اليوم، فيما لم تحظ مسألة “هيبة المجتمع” بأي نقاش.ومع انه لا يمكن الفصل بين “الهيبتين” باعتبار ان المجتمع مكون اساسي من مكونات الدولة، وهي بالتالي تستمد هيبتها من هيبته، الا ان ما حصل من ابتعاد بين الدولة والمجتمع في معظم اقطارنا العربية نتيجة تخلي الدولة عن “ادوارها” اضفى على الموضوع شيئا من المشروعية، لا على
صعيد السؤال والنقاش العام فقط، وانما ايضا على صعيد اعادة تعريف الدولة، والسلطة، والمجتمع وفك الاشتباك بينها وترسيم العلاقة بينها ايضا.
ادرك ان هذا الموضوع يحتاج الى نقاش اوسع مما يحتمله هذا المقال، والى “رأي” فقهائنا في ميدان العلوم السياسية والاجتماع، لكنني استأذن في تسجيل بعض الملاحظات على الهامش فقط.
من الملاحظات ان التحولات التي حدثت في عالمنا العربي في السنوات الثلاثة المنصرفة كشفت مسألتين: احداهما هشاشة الدولة، والاخرى ضعف المجتمعات، وعلى ضوء ذلك يمكن فهم حالة “الاستعصاء” التي تمر بها الدولة العربية  الآن، ابتداء من العنف مرورا بالانقلاب وانتهاء بمخاوف انتاج “الدولة الفاشلة”.
من الملاحظات ايضا ان عالمنا العربي عانى طويلا من “الصراع” بين الدولة والمجتمع، فقد سعى كل منهما على متداد تجربتنا التاريخية الى “الاستقواء” على الآخر واضعافه، ومع اننا شهدنا في مراحل تاريخية “سطوة” المجتمع وقدرته على “سدّ” فراغ الدولة، وما قام به من ممارسات لاخضاع المجتمع، انتهى الى اسقاط هيبة المجتمع ومحاصرته والحاقه بالسلطة.
من الملاحظات –ايضا- ان الصراع داخل المجتمع ايضا، بين نخبه وحركاته ومؤسساته، وهو –في الغالب” صراع على المجتمع لا من اجله، اسهم في تمكين السلطة من “اخضاع” المجتمع وتحديد خياراته وبالتالي تحييده عن القيام بدوره في المجال العام، ومن اللافت هنا ان صناعة “الثنائيات” في عالمنا العربي وتوظيفها “كفزاعات” لصدّ محاولات الاصلاح والتغيير جاءت في سياق محاولات “الاضعاف” التي استهدفت المجتمعات.
من الملاحظات ايضا ان الجهود التي بذلت لاستعادة هيبة الدولة انحصرت في مجال “الانتصار” لمنطق السلطة، بما تتضمنه من قوانين ومقررات سياسية وامنية، فيما ظل مجال الاهتمام “بالمجتمع” بكل ما يشتمل من قيم واحتياجات ونماذج ومؤسسات مسألة “ثانوية” تستدعى وقت الحاجة فقط.
من الملاحظات –ايضا- ان السلطة في عالمنا العربي نجحت في استقطاب ممثلي “الضمير العام” اليها، فأصبحوا ناطقين باسمها لا باسم المجتمع، وبالتالي فوّتت على “الدولة” فرصة مساهمتهم في بناء مجتمع قوي مقابل سلطة قوية، يمكن ان يتعاضدا معا “كما هو الحال في  الدول الديمقراطية” لانتاج دولة قوية.
من الملاحظات –ايضا- ان موضوع “الهيبة” سواء بالنسبة للسلطة او للمجتمع تم اختزاله في قضايا محددة، واشخاص محددين، وحركات او جماعات معينة فيما كان يفترض ان يكون متعلقا بمرتكزات الدولة، سواء بالقوانين او بالتقاليد او بالقيم الحاكمة او “بالضمير العام” الذي تمثله السلطة او المجتمع على حد سواء.

اما الملاحظة السابعة والاخيرة فهي ان استدعاء الحديث عن “هيبة” الدولة في مواسم العنف فقط، يحتاج الى اعادة نظر، وذلك لان مقياس “الهيبة” لا يتعلق فقط بما يصدر عن المجتمع من انحرافات، وانما –ايضا- بما يصدر عن الطرف الاخر من مقررات واجراءات، في اي وقت، كما ان تكرار الحديث عن هيبة الدولة يجب ان يتزامن ويتعاضد دائما مع الحديث عن هيبة المجتمع، باعتبار ان “الهيبتين” توأمان لا يمكن فصلهما عن بعضهما ابدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق