بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

الدم الفلسطيني لا حرمة له - جاسر الجاسر

في شباط (فبراير) 2007 أقسمت حركتا «حماس» و«فتح» أمام الكعبة على حرمة الدم الفلسطيني، وعلى «الاتفاق وبصورة نهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية». ولم يمض وقت حتى تخضبت جميع أراضي فلسطين بدماء
شبابها وبرصاص أهلها، وأصبحت غزة آخر منطقة يمكن لأبي مازن دخولها.

المواطن العربي لا يستطيع فهم الثقافة الفلسطينية المتناقضة، فالصراع بين «حماس» و«فتح» يشتعل ليستنفد كل معجم الشتائم والتخوين والعمالة، ثم يهدأ ليصبحوا إخوة سياميين ورئة واحدة لجسمين.
مشهد متكرر، يسهل على العربي الباحث عن بوصلة الحقيقة أن يفهمه لو أن الأشخاص والقيادات تتغير، لكن الواقع أن الشاتمين صباحاً هم المعانقون مساء؛ القاذفون بعبارات العمالة والارتكاس وخيانة المقاومة هم الناثرون مفردات المحبة والإخاء والوحدة في مقاومة العدو.
قبل العدوان بأيام تعرض اتفاق المصالحة، ومعه حكومة الوحدة، للسقوط ولم يوقف الدماء بين الأهل سوى صواريخ إسرائيل. قبل ذلك تبخرت اتفاقات شتى في مكة والقاهرة والدوحة، وكلها تستنسخ ذاتها، ما عدا راعي المصالحة، حتى أصبحت الحرب الأهلية هي الأصل، والمواجهة مع إسرائيل هي الفاصل والاستراحة. المفارقة أن اتفاق مكة وإعلان الدوحة، كلاهما كان في شهر شباط (فبراير)، ولم يكمل أي منهما بضعة أشهر على رغم احتشادهما بالمواثيق المغلظة، وقال خالد مشعل: «إن حماس وفتح وجميع القوى الفلسطينية الأخرى، متفاهمة على إنهاء الانقسام لأجل الحفاظ على المصالح والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وتدعيم الوحدة الداخلية من أجل التفرغ لمواجهة العدو المحتل»، لكن الحكومة لم تقم، لأن حركته اعتبرت أول حكومة وحدة برئاسة - الحمدلله - غير شرعية.
السبت الماضي، وفي الوقت الذي تنتظر مصر الوفد المفاوض لاستكمال استحقاقات الشعب الفلسطيني، اشتعل الصراع بين الحركتين، واتهمت «فتح» شريكتها أو غريمتها - لا فرق - باعتقال كوادرها وإطلاق الرصاص على أجسادهم وأرجلهم، وتركهم عرضة لصواريخ العدوان، فردت الأخرى بإعادة رواية سيرة فضائل المقاومة ومساوئ العمالة والخيانة، بينما عبارات الثناء والامتداح للمواقف المشرفة لم ينقطع صداها بعد.بعد الهدنة مباشرة، أعلنت «حماس» أنها لا تطمح إلى الحكم، ونادى زعماؤها السلطة الفلسطينية لتتسلّم المواقع والإدارات، لكن هذا الكلام لا يمكن تحقيقه عملياً، لأن حدوث ذلك سينهي وجودها كلياً ولا يرتضيه الداعمون لها، فكان لا بد من التوتر، ما يعني فقدان فرصة الكسب في المفاوضات وعدم التعامل بجدية مع الوفد المتناقض، الذي صدع الشارع العربي بوحدته وأخوّته الصامدة.
أصبح الفلسطينيون الطبيعيون مثل الشعب السوري، الذي إن سلم من براميل النظام اصطادته تفجيرات المعارضة، يستخدمه كل طرف لغاياته، ولا يعمل لأجل استقراره وضمان حقوقه.
القدس في وجدان كل مسلم وليس العرب فقط، لكن المشهد المتكرر لا يعني إلا أنه وسيلة للسلطة وخدمة لأهداف سياسية تعبر عنها قوى الداخل من أجل حسابات الخارج، ومن اللافت أن القوى التي توحدت لمجابهة العدوان لم تحتفل معاً بالهدنة، بل أقام كل فريق منصاته الخاصة وتغنى بشهدائه ودوره الفاعل في صد العدوان، وكأنه لا يطيق الآخر أو يقرّ به؛ إذ كان يجب بدءاً الاتحاد معه ما دامت الغاية واحدة والهدف مشتركاً. لقد نجحت «حماس» في الترويج لنفسها، بينما نالت «الجهاد الإسلامي» الفتات، حتى إن اسمها لم يعد في الأخبار على أنها ضمن «المقاومة».
السلطة الموحدة هي الحل، ومن دونها لن يتوقف الاقتتال الداخلي وتشويه كل طرف للآخر واتهامه بالخيانة ووجوب التصفية.
من يشرح للفرد العربي، وحتى الفلسطيني، معنى ما يحدث، وما المراد منه؟ وما معنى «المقاومة» إن كانت خاتمتها اعتقال الأشقاء وتعذيبهم، واحتكار تفسيرها حتى إن جمعت المتناقضات كما هي حال «حماس» التي تثني على «حزب الله» ودوره في النصرة بينما دماء إخوانهم في القصير لم تتخثر بعد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق