بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

أين الكتاب؟ - ابراهيم العريس

منذ اندلاع ما سُمّي بـ«الربيع العربي» والكل لا يتوقف عن الصراخ الذي يبلغ حدّ الزعيق أحيانا، بأن واحدة من مآسي حياتنا العربية التي كشف «الربيع» عن استشرائها، تكمن في الافتقار إلى الوعي. والحال أننا إذا ما حاولنا أن نفصّل العوامل التي تنشر الوعي بادئين بالمدرسة وشاشات التلفزة واصلين إلى شتى أنواع الفنون والآداب، لا بد أن نتوقّف في نهاية المطاف عند الكتاب. فالكتاب كان ولا يزال واحدة من أدوات الوعي الأساسية التي لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات إذ يمكنها أن تخلق لدى أجيال القارئين حساً إبداعياً ونقدياً هو في يقيننا الطريق الأسلم إلى الوعي المطلوب والذي من دونه يتحول أي ربيع إلى خريف وأكثر.
فإذا سلّمنا هنا بأن هذا القول بديهي، يجدر بنا أن نتساءل عن حصة الكتاب على شاشاتنا الصغيرة؟في الحقيقة تكاد حصته أن تكون لا شيء... وحسب المرء كي يتيقن من هذا أن يقوم بجولة على الشاشات كلها، ليلاحظ الاختفاء المتدرج حتى للبرامج أو الفقرات النادرة التي كانت تهتم بالكتاب. وفي هذا السياق قد يكون من المفيد إجراء دراسة مقارنة بين ما كان للكتاب من مكانة على التلفزة وما هي مكانته اليوم.
وفي انتظار ذلك لا بد من التوقف عند ما حدث، مثلاً، على شاشة «المستقبل» اللبنانية. فهذه الشاشة التي رعت قبل سنوات جملة من برامج ثقافية وإبداعية تميزت بها، انتهى أمرها إلى وقف تلك البرامج واحداً بعد الآخر من دون سبب أو تبرير. فقط استبدلت ذلك كله بفقرة سريعة، كانت جيدة بل مميّزة على أية حال، تقدمها الإعلامية مريم الحاج ضمن «أخبار الصباح». وكان الرأي: حسنا على قصرها وسرعتها تبقى خيراً من اللاشيء المهيمن على بقية الشاشات في هذا المجال.ولكن، حتى هنا أيضاً، ومن دون إعلان أو تبرير، اختفت الزاوية أو تقلصت، لتحل مكانها فقرة - جيدة هي الأخرى - تقدمها الإعلامية نفسها وهي عبارة عن مشهد راقص من فيلم مصري تتفنن الحاج مع زملائها في البرنامج في شرحه والثناء عليه!
لا يمكن أحداً، بالطبع، الاعتراض على هكذا فقرة... ولكن حلولها مكان فقرة الكتب اليتيمة أمر غير مستساغ على الإطلاق... وبخاصة أننا نعرف أن الشاشات العربية مليئة إلى حد التخمة بمثل ذلك المشهد الراقص وبالحديث عنه، لكنها خالية تماماً، كما أشرنا، من الكتب. والسؤال هو: كنا نعتقد أن تميّز فقرة الكتاب على «المستقبل» سيحوّلها إلى برنامج كامل، فما الذي وأد هذا الحلم محوّلا مقدّمة الفقرة إلى ما يشبه عشرات السيدات الجميلات المنتشرات على الشاشات يقدمن أنواعاً من السينما أقلّ ما يمكن أن يقال عنها أنها مضادة للوعي في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوعي، والوعي من طريق الترويج للكتب بشكل أكثر تحديداً، ترويجاً ذكياً وجذاباً كانت مريم الحاج تتقنه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق