بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

♦ فروق حضارية بين «رابعة» واسكتلندا - جاسر الجاسر

في اسكتلندا مرارة تاريخية نتيجة المعاناة من قمع متوالٍ استنهضت النزعة القومية ودافعت عن وجودها عبر قرون مسجلة تاريخاً فريداً من المقاومة التي لم تنقطع يوماً وإن تبدلت أشكالها.

نحو نصف الاسكتلنديين يريدون الانفصال عن المملكة المتحدة والتنعم بخيراتهم واستعادة
كرامتهم، ومع ذلك قبلوا نتائج التصويت وارتضوا الاستمرار تحت العلم الأم.
لم يلجأ هؤلاء إلى حملات تخوين زملائهم المعارضين، ولم يهاجموا منازلهم. لم يفجروا محطات الكهرباء أو يخربوا الطرق أو يثيروا الفوضى. لم يعتصموا في الميادين معطلين كل أشكال الحياة، ولم ينصبوا المنابر ليخطبوا من عليها ليل نهار. لم يزرعوا القنابل أمام المدارس والملاعب وتحت الجسور لتأكيد خطأ مخالفيهم وأن لا حل ولا استقرار إلا بالانفصال. لم يحرضوا دولاً أخرى على التدخل في شأنهم. هم على النقيض تماماً من المعتصمين في «رابعة» وما نفذوه وينفذونه الآن.
الفرق أن الاسكتلنديين يحبون بلدهم ولم يعتادوا العيش شتاتاً بين البلدان وبناء تحالفات تحقق أهدافهم وإن خربت بلدهم. الوطن عند أهل «رابعة» محطة فقط وفق مصالحهم، والعشيرة هم الموالون فقط مهما كان انتماؤهم، أما الآخرون فإلى الجحيم. الأحباب والإخوان يتكسبون اللقب حين النصرة، لكن إذا انكشف الأمر تبدل الموقف، وكما نالت منهم السعودية والإمارات سيأتي الدور على قطر مع أنها بذلت لهم الغالي والنفيس.
حشود المصريين في 30 يونيو مجرد مؤامرة وانقلاب، بينما صناديق الاقتراع في أدنبرة هي الحسم والمفصل. المسيرات والحشود تتجاور في اسكتلندا وهي تحمل رايات متضادة من دون أن تهرق نقطة دم أو تشحذ سكين أو تتطاير زجاجات المولوتوف، بينما المعارضون في مصر يريدون تعطيل مسارها حتى تعود إليهم خانعة ويجندون الصغار والضعفاء استغلالاً للعمر والحاجة حتى يكونوا المجرمين والضحايا.
قالت الصناديق «لا» للانفصال، فلم يتهم اسكتلندي واحد أن الآخرين اشتروا ذمته أو هددوا حياته، لكنها حين قالت «لا» لعشيرة رابعة في مصر أصبحت حياة الناس معلقة بين سكك القطارات وأرصفة الشوارع، لأن ديموقراطية العشيرة والقوم لا تقبل التعددية ولا ترضى بغير التبعية، فإن اختار البشر سواها رمتهم بكل ما تستطيع من حمم.
عشيرة «رابعة» في اليمن تعيد أخطاء أختها الكبرى، فتجعل اليمن ومنشآته وأهليه عرضة للموت من أجل أن يكون لها مكان وحظوة، فلا ينالها سوى الإقصاء والتهميش وانكشاف القميص.
المواطنة هي الفرق بين الاسكتلندي و«الربعاوي»، فهي راسخة عند الأول زائلة لدى الآخر، حق ومكتسب لا تفريط فيه مقابل كرسي السلطة أينما توافر وكان. المواطنة هي التعايش والتآلف واحترام جميع المكونات الاجتماعية، فإن لم تكن فلا معنى لها، كما حال قبيلة «رابعة»، فلا قيمة لأية قيمة ما عدا الرابطة الايديولوجية.
انتصر الاسكتلنديون ومضت البلد في طريقها من دون أن تخشى رصاصة واحدة، بينما مصر واليمن وليبيا تعاني وتواجه كل الهجمات الشرسة التي تهدم أولاً كل مكتسباتها وتدمر استقرارها نزوعاً لسلطة لن تأتي وإن بلغ العنف منتهاه، لأن العاطفة الشرقية لا تدوم لكنها تصحو متأخرة، وأحياناً متأخرة جداً.
الوصول إلى الحالة الاسكتلندية يقتضي تضحيات شتى من أجل نبذ كل الشوائب، واكتشاف النقاط المظلمة، وتعلم معنى الاختلاف ودلالة الحوار واحترام الحقوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق