بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

الانتصار في فلسطين... مؤجل - -أحمد جابر

انتصرت غزة، هذا ما يرجوه كل عربي، لكن السؤال الأهم كيف ستنتصر فلسطين؟ وكي لا يظل القول عاماً، يجب الإشارة إلى أن النجاح الأساسي، في وجه العدوان الإسرائيلي على غزة، كان في الصمود في وجه هذا العدوان، وفي منعه من كسر الإرادة الفلسطينية. لقد كان عنوان الهجوم المعادي تحقيق الأمن والأمان «للدولة»، من خلال «كيّ وعي» الذين يستهدفونها، وقد أسقط أصحاب الوعي المكوي العنوان، فطالت قذائف أسلحتهم عمق قاعدة «الأمان»، فلم تفلح كل الآلة العسكرية المعادية، في منع وصولها.
على ذات النهج التقريري في الكلام، يجب أيضاً الإشارة إلى أن الصمود القتالي الذي تحقق، قام على قاعدة الوحدة في الموقف السياسي الوطني، الذي تحاشى كل خطاب انشقاقي، في سياق التصدي للعدوان، وتجاوز عن بعض الممارسات الفئوية، التي كانت تهدد بالنيل من هذه الوحدة. الوحدة في الموقف، أي الغطاء السياسي للمعركة، جاء من جانب القيادة السياسية، التي على رأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واستجاب لها كل الأطياف الفلسطينية، وفي هذا السياق، كان الوفد الفلسطيني الموحد تعبيراً عن انضواء الفلسطيني تحت سقف سياسي واحد عام، وكان شكل المفاوضات غير المباشرة، مخرجاً للجميع، أي مسلكاً غير محرج لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك. وحدة الموقف الفلسطيني، التي صنعها الجميع، أسقطت هدفاً إسرائيلياً أساسياً، كان يسعى إلى مواجهة الفلسطينيين وهم في حالة الانشقاق السياسي والشعبي، وعليه، فإن الخلاصة الناجحة التي أسفرت عنها المواجهة ليست ملكاً لطرف من دون غيره، ويجوز القول، إن الإعلان الأحادي من جانب حماس، لا يفيد استكمال الصراع حول بنود الاتفاق، الذي تحيط بإمكانية تطبيقه صعوبات جمّة.
يستعين بعضهم بالتصريحات الإسرائيلية حول الحرب، فيجعلها دليله الوحيد على انتصاره، ولا يلتفت هذا البعض، إلى شروط النجاح التي تعتمدها القيادة السياسية والإسرائيلية، ومعها جمهورها الأوسع، لدى تقويمها لمدى الفوز ومقادير الفشل. بدأ الوسط الإسرائيلي بنقاش حجم الخسائر البشرية في صفوف قواته ومدنييه، وباشر إحصاء خسائره الاقتصادية في الداخل، ومعاينة اهتزاز صورة بلده، الأخلاقية والسياسية، في الخارج، مثلما باشر المقارنة بين تحديد الأهداف التي خرجت إسرائيل من أجلها إلى الحرب، وبين الحصيلة التي تكشفت عنها وقائع الميدان. كخلاصة عامة، تقيس السياسة الإسرائيلية نجاحها بمقياس حجم خسائرها، أي وفق الحد الأعلى من السلامة التي تطلبه من كل عمل ميداني. في هذا المجال، يجب القول إن إسرائيل فشلت في خفض خسائرها، وأنها أجبرت على دفع كلفة أعلى من تلك التي حددتها لعمليتها العسكرية.
لكن المقياس الإسرائيلي لمعنى نجاحه أو فشله، يجب ألا يكون مقياساً فلسطينياً، أو عربياً، إذ ليس آلياً الاستخلاص: لقد نجحنا بمقدار ما فشلوا، هذا يعني أننا نضبط الميزان على حجم خسائرهم، وليس على مقدار دمارنا، ولا يجوز أن ننصرف إلى تعداد قتلاهم، الذين هم بالعشرات، وننسى إحصاء شهدائنا الذين هم بالآلاف. المقياس الإنساني هذا، هو مقياس مسؤولية، وليس دليلاً على «نضجنا»، التركيز على مشهد أسى الإسرائيلي على قتلاه، وحجب كل مظاهر الأسس على ضحايانا. إن إدارة الظهر للبنية الشعبية التي احتضنت قرار القتال، وشكلت سياج دعم لصموده، تشكل خطوة أولى على طريق تجاهل مجمل الشروط اللازمة لاستمرار هذا الصمود، بل هي تنذر بخروج فئوي استئثاري، ينصرف إلى تثمير أحادي للنضالية الفلسطينية، فيهدد كل المقومات السياسية والشعبية التي ساهمت في حماية تلك النضالية.
لآن، لا بديل من نقد المشهدية الاحتفالية التي عمّت في غزة، ولا بديل من التحذير من مغبة إهداء النجاح إلى الخارج العربي والإقليمي، الذي لا يسعى إلى أقل من التلاعب بالورقة الفلسطينية. ومع هذين الأمرين، لا بد من إعلاء شأن التمسك بالسياسة الوحدوية التي واكبت الحرب على غزة، والدعوة إلى تطويرها. خارج ذلك، لن تنجح معركة المرفأ والمطار في غزة، مثلما لن يراكم الفلسطينيون معطيات تعينهم على معركتهم الوطنية الاستقلالية، والحذر الواجب، هو من انتفاخ النزعة الفصائلية، بحيث تتجه رياح سياساتها صوب الصراع على السلطة، مدعومة «بانتصارها»، وتشجيع الخارج الذي لم يتورع يوماً عن التخريب في فلسطين... عندها قد يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام الفوز الاستراتيجي الإسرائيلي، الذي مازال غير راض حتى الآن، عن حصيلة ما يسميه نجاحاً تكتيكياً.
* كاتب لبناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق