بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 سبتمبر 2014

حركة المقاومة الفلسطينية حماس د. يوسف نور عوض

كما هو معروف فإن المحورين اللذين يقودان المشهد الفلسطيني في الوقت الحاضر هما منظمة التحرير الفلسطينية التي تتخذ موقفا تحاوريا من أجل استرداد الحقوق ـ و التي لا تريد أن تتحاور مع إسرائيل بكونها ترى فيها دولة احتلال تجب مقاومتها لأجل استرداد الحقوق الفلسطينية بكاملها ودون أن يكون هناك حق لإسرائيل في أي موقع من مواقع فلسطين، غير أن هذه الحركة تواجه صعوبات لوجستية وسياسية، وتكمن الصعوبات اللوجستية في وجود حركة حماس في قطاع ضيق تحاصره إسرائيل من جهة وتحاصره بعض المواقف السياسية المصرية من الجهة الأخرى.
وتظهر حقيقة هذه الصعوبات في هذا الصراع الدائر في الوقت الحاضر بين إسرائيل وحركة حماس، ذلك أن حركة حماس تقف وحيدة في معركتها مع إسرائيل ، لا يؤيدها الموقف الدولي أو الموقف الرسمي العربي الذي لم يتخذ من قبل موقف لا مبالاة كما هو الشأن الآن في حرب غزة التي راح ضحيتها آلاف الأطفال والمواطنين الأبرياء، والسؤال المهم هو لماذا تتخذ بعض الدول العربية المؤثرة هذا الموقف السلبي ؟ والإجابة بكل هي أن هناك مواقف متباينة من الحركات الإسلامية، وذلك ما يجعل بعض الدول تعتقد أن تأييد حماس يعني تقوية تيار لا تريد له القوة لأسباب تخصها هي،، ويقودنا ذلك إلى التعرف على صورة كاملة لحركة حماس وتطورها في مراحلها المختلفة .
يجمع مؤرخو حركة حماس على أنها – هي في الأساس – حركة إسلامية تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين وتتخذ لنفسها هدفا واحدا هو استرداد أرض فلسطين المغتصبة من النهر إلى البحر، وأن تكون عاصمة هذه الأرض بعد تحريرها هي مدينة القدس الشريف.
وقد ظهرت حركة حماس في المشهد السياسي بعد أن أعلنها الشيخ أحمد ياسين في أعقاب حادث الشاحنة الصهيونية، وكان إلى جانب الشيخ أحمد ياسين في التأسيس محمود الزهار وابراهيم البازورلاي ومحمد شمعة وعبد الفتاح دخان وعبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة ومحمد الضيف، وكان جميع هؤلاء من قادة العمل ضمن جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.
ويتلخص فكر حماس – كما أسلفنا سابقا – في أنه لا حق لليهود في أرض فلسطين، وقد قبلت حماس بصورة مؤقتة بحدود عام 1967، ولكنها لا تعترف في الوقت ذاته بأي حقوق لليهود في أرض فلسطين التاريخية .وترى حماس أن صراعها مع إسرائيل هو صراع وجود، وليس صراع حدود وتعتبرها جزءا من مشروع استعماري لا تقتصر أهدافه على أرض فلسطين، بل تتجاوزها إلى استهداف العالمين العربي والإسلامي.وقد اعترضت حماس على جميع المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل، واعتبرت ذلك تفريطا في الحقوق التي تتلخص في عودة الأرض الفلسطينية بكاملها إلى أيدي الفلسطينيين، وترى حماس أن على إسرائيل الاعتراف بحق الفلسطينيين في أرضهم وحقهم أيضا في أن يعودوا إليها، ولكن حماس لا تحدد من الناحية النظرية الكيفية التي يمكن بها أن يتحقق ذلك، الذي هو في جوهره مركز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي تقوم فيه حماس ببعض المهام الاجتماعية والصحية بصفة خاصة، فإنها تقوم أيضا ببعض الأعمال العسكرية من خلال كتائب عزالدين القسام التي هي الجناح العسكري لحركة حماس. وقد قامت هذه الكتائب بكثير من العمليات التي أثارت مخاوف إسرائيل ، كما أثارت مخاوف العالم الخارجي وجعلته يحدد موقفا من حركة حماس.
وقد طورت كتائب القسام نفسها خاصة في جانب التسليح وتمكنت من انتاج صواريخ قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وكانت عملياتها القوية سببا في خروج جيش الاحتلال من غزة وتركها في أيادي حركة حماس . وتقول حماس إن عملياتها النوعية هي التي تحول دون تمدد الكيان الإسرائيلي خارج أرض فلسطين، وخاصة في البلاد العربية والعالم الإسلامي، ولكن حماس لا توضح الكيفية التي يمكن بها لإسرائيل أن تتمدد في مساحات شاسعة دون أن تواجه عمليات مواجهة توقفها عند حدها .
وتعارض معظم الدول الغربية حركة حماس، وترى أن الوسيلة الأصلح لكل الخلافات الجارية هي التفاوض، ولكن حماس ترفض ذلك لأنها لا تريد أن تقدم أي تنازلات لإسرائيل في مسألة الخروج من أرض فلسطين وإعادتها لأصحابها الأصليين، وتؤكد حماس أن خيارها العسكري ينطلق من حقيقة أن إسرائيل لم تطبق أي قرار من قرارات المجتمع الدولي سواء كان ذلك بواسطة الأمم المتحدة أو غيرها، ومع ذلك فإن بعض الأصوات في العالم الغربي تطالب بتصحيح الصورة المشوهة التي رسمت لحركة حماس. وأما في النطاق العربي فإن الانتقادات التي توجه لحركة حماس تعتمد على مواقف الدول الرسمية من حركة الإخوان المسلمين.
وكان انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 قد زاد من الانقسام الفلسطيني الداخلي وأدى إلى سيطرة حماس وتركيزها على قطاع غزة، وقد زاد ذلك من الخلافات بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تتهم حركة حماس بأنها تعرض أعضاءها المعتقلين في قطاع غزة للموت بعد أن رفضت حماس الإفراج عنهم خلال القصف الإسرائيلي. وكانت منظمة «هيومان رايتس» ووتش قد اتهمت حركة حماس بتعذيب وتصفية الذين يعارضونها في قطاع غزة .خاصة عند الشك بأنهم يتعاونون مع أعضاء في حركة فتح أو أنهم يتعاونون مع دولة إسرائيل.
ولا نريد أن نخوض في مثل هذه الاتهامات لأن الخلافات بين فتح وحماس واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من التوضيح، و في ضوء ما جرى في الوقت الحاضر في قطاع غزة فإن هناك تساؤلات كثيرة تدور حول العمل الاستراتيجي لحركة حماس التي لا تحاصر من جانب إسرائيل وحدها بل تحاصر – أيضا – من جانب العالم العربي كله، وقد رأينا إصرار مصر على قفل المعابر التي هي شريان الحياة بالنسبة للفلسطينيين بصفة عامة، وليس لحركة حماس في القطاع، وقد رأينا في القصف الأخير على غزة أن الآلاف من الذين يحتاجون إلى الاسعاف الضروري والمبكر لا يجدون طريقهم إلى داخل مصر، كما لا يجدون العون في داخل القطاع الذي تضاءلت قدراته في مواجهة احتياجات المواطنين العلاجية، ولا شك أن هذه الأوضاع جميعها ستكون محور الدراسة بعد انتهاء هذه الأزمة التي يواجهها القطاع.

٭ كاتب من السودان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق