بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

ماذا يريد قادة السنّة في العراق؟ د. نصيف الجبوري

بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 وصل وفد عراقي بعد حوالي عام، كما اعتقد الى باريس لكي يتعلم من فرنسا كيفية تنظيم الانتخابات وآليات عملها. كان الوفد مكونا من حزب الدعوة والمجلس الاعلى والحزب الاسلامي وممثلين من الاحزاب العلمانية والقومية العربية والكردية. تحدثنا معهم عن الاحتلال ووضع العراق، وقلت انذاك لسامي العسكري من حزب الدعوة، بانكم جئتم بقطار امريكي. فرد عليّ وانتم ايضا بقطار فرنسي، قلت له لم ير احد ذلك القطار ولم يتحرك حتى هذه اللحظة باتجاه بغداد. المهم تناقشنا طويلا في امور متعددة اخرى وتناولنا العشاء في المعهد الكردي بباريس، لكن الغريب بالامر ان ممثل الحزب الاسلامي لم يجلس معنا سوى دقائق معدودات، حيث جاءه احد ممثلي الاخوان المسلمين في فرنسا من اتحاد المنظمات الاسلامية بفرنسا UIOF ولم نره في ما بعد. لقد تعزز لدى الحاضرين أن اجندة ذلك الحزب لا تختلف عن تنظيمات جماعة الاخوان المسلمين العالمية، فليس للقضية الوطنية وخدمة العراقيين اولوية اساسية في برنامجه. ضمن هذا التوجه التحق الحزب الاسلامي بجوقة المطبلين والمهللين للغزو الامريكي للعراق. لقد حاول جاهدا ايهام احزاب الاحتلال بان له حضورا كبيرا في الساحة السنية العراقية، وهذا الادعاء وفر الغطاء الشرعي للاحزاب الطائفية الاخرى لتأسيس عراق المكونات المذهبية والعرقية. 
من الغريب حقا ان نرى قادة اهل السنة والجماعة في العراق المعارضين للعملية السياسية والمنضوين فيها، كالحزب الاسلامي، لا يزالون يجهلون الواقع المزري لاهلهم في العراق. لا تهمهم غير مصالحهم الذاتية، على الرغم من مرور حوالي احد عشر عاما ونصف العام من الاحتلال. فقد ترسخت العملية السياسية التي اعتمدت على تقوية القادة الذين ساندوا الاحتلال الامريكي واتفقوا معه لغزو بلدهم. في الوقت نفسه همش الاحتلال ومن والاه المقاومة الوطنية وكل من عارض الاحتلال البغيض.
لقد جاءت الخطيئة الكبرى من الحزب الاسلامي عندما وقع صكا على بياض للمحتل وشخوصه وتبييض وجهه والعمل تحت رايته مهما كانت الظروف وتسويق نفسه امام المحتل وحلفائه العراقيين على انه الممثل الوحيد للعرب السنة، وحاول بعد ان قوى عود المقاومة العراقية ان يضع قدما مع سلطة الاحتلال واخرى مع المقاومة، ليوهم أهل السنة بانه يقاوم الاحتلال. وانتهى به الامر ان يكون معول الاحتلال لضرب «القاعدة» بل لاضعاف حركات المقاومة، كالجيش الاسلامي وهيئة علماء المسلمين والقوى المعارضة للعملية السياسية.
اكتشف اهل السنة بان ذلك الحزب لا يختلف كثيرا عن حزب البعث، فالفوائد والهبات والعطايا والهدايا لا تصل الا للمساجد التي تخضع لسيطرتهم، والمساعدات لا تصل الا لمنتسبي الحزب.. اما الاخرون فلهم الله، وعندما يأتي وقت الانتخابات عليهم ان ينتخبوا الحزب الاسلامي لا غير، رغم المخاطر الامنية. هذه الاستراتيجية المزدوجة التي تتمثل بالاستفادة من الثروة والعطايا للقاده والمسؤولين الكبار من جهة واطلاق يد الحكومة ومليشياتها لممارسة التفجيرات والاعتقالات والاغتيالات ضد اهل السنة من جهة اخرى، ساهمت في تهميشهم واقصائهم تماما.
بعد ان صودق على الدستور الذي خلق عراق المكونات، وبات التكتل الشيعي يعمل وفق مرجعية تسير باتجاه واضح المعالم ووفق استراتيجية بعيدة المدى، همها الاول والاخير ترتيب وضع البيت الشيعي، كان من المفترض من اهل السنة ان يشكلوا تكتلا مماثلا يحفظ مصالحهم ويدافع عن حقوقهم السياسية والتاريخية، ويكون ندا للاخر. ونتيجة ضعفهم اصبحت الحكومة تلعب على حبال الخلاف بين قادتهم، فبعد ان ضعف الحزب الاسلامي، ظهرت قوى اخرى من رجال العشائر والصحوات وباتت البدائل كثيرة. قوى عود الحكومة بفضل سنة صنعتها اموال رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فانضموا للعملية السياسية يوافقون على القرارات الظالمة مقابل مكاسب مالية، وخلقت لهم امريكا والحكومة حروبا لا نهاية لها، سواء مع المقاومة او مع «القاعدة».
كان من الممكن للحزب الاسلامي ان يستثمر جهاد المقاومة لصالحه، ويفاوض الحكومة ومن ورائها الامريكان من موطن القوة، لو عرفوا قوانين اللعبة السياسية مبكرا. ان المصيبة التي حلت باهل السنة طيلة هذه الفترة عظيمة وخطيرة، بحيث بات بعضهم يخون البعض الاخر. علما بأن كلا الطرفين يلهثان وراء الاحداث ولا يملك اي منهما استراتيجية واضحة لتخليص شعبهم من المليشيات وقوى الامن الحكومية و»القاعدة» وغيرها.
جاءت الدورات الانتخابية اللاحقة لتشير بوضوح الى ضعف شعبية الحزب الاسلامي، بعد ظهور الصحوات ومتحدون وسنة المالكي وغير ذلك. بات امام الحكومة تشكيلات سنية هزيلة لا تستطيع فعل اي شيء لقواعدها ولا تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة. ان ظلم وطغيان الحكومة وانانية الاحزاب التي شاركت بالعملية السياسية اغلق الباب امام المعارضين، مما حتم عليهم امام مخاطر التصفية الجسدية العودة من جديد الى المنافي. لا يريد اي طرف من قادة اهل السنة الاعتراف بفشله او حتى القبول بمراجعة استراتيجيته المستقبلية، فالحزب الاسلامي يرى ان العملية السياسية لا يمكن المساس بها، والمعارضون يحلمون بامجاد الماضي وينتظرون المعجزة. 
جاء الحراك الشعبي من اجل تغيير المعادلة من خلال صلوات الجمعة الموحدة والالتفاف الجماهيري حولها، لكن ظلم الحكومة الذي استمر لاكثر من عام وحربها الضروس ضد ابناء شعبها شتت قوة ذلك الحراك. وكانت سياسة الحزب الاسلامي هي نفسها حيث وضعت قدما مع الحراك واخرى مع الحكومة. كان لا بد والحالة هذه ملء منطقة الفراغ، التي لم يستطع احد من قادة السنة ملئها بسبب تنافرهم وصراعهم على المناصب والوزارات والمكاسب المادية او غيابهم في المنافي، بدون برنامج انقاذ وطني عملي وواقعي ينقذ الشعب. جاءت «داعش» واستولت على مساحة تقدر بثلث مساحة العراق حتى اضطر البعض بالقبول بـ»داعش السنية» مقابل «دواعش» المليشيات وقوى الامن الحكومية. أما اليوم فلا يدري الناس ما الذي ينبغي ان يفعلوه امام التكتل العالمي ضد «داعش»، والجميع يعلم ان المحرقة ستكون في اراضي المحافظات السنية المنتفضة سابقا.
هذه الحقائق مرت علينا ولم يتمكن اهل السنة لحد الان، رغم اقتراب الكارثة، من تنظيم انفسهم ولا يريد احد من القادة تحليل الوقائع واستنباط النتائج وتقدير الامور والاهتمام بالاولويات، رغم ان الدلائل الميدانية واضحة المعالم في ما يتعلق بنهج السياسة الامريكية، فجوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي صرح مرة اخرى بضرورة تأسيس اقليم سني وفق مشروعه السابق، الذي رسم معالمه قبل اربعة وعشرين عاما. السياسة الامريكية ماضية في هذا المخطط، سواء رضي به السنة ام ابو ولا يهم بالنسبة لهم سواء حصل هذا الامر بمزيد من الدماء والدمار والدموع، ام بالتفاهم والتراضي بالحسنى. 
لا يزال الكثير من قادة السنة منهمكين في الحوار مع الحكومة لجني المنافع الشخصية، ومحاولة نيل ما تبقى من فتات المائدة بعد فوات الاوان، ولم يخطر في بالهم حتى الان، رغم خراب الموصل وقبلها الانبار وديالى وصلاح الدين وكركوك، ضرورة استغلال الفرصة السانحة للاتفاق في ما بينهم وتشكيل وفود موحدة لمحاورة حكومة المنطقة الخضراء، تحت رعاية امريكية لايجاد حل يخلص اهل السنة مما هم فيه منذ اكثر من عقد. عليهم ايضا الا يستبعدوا اي حل يمكن ان يخلص اهل السنة من الجحيم الذي هم فيه ويقطعوا الطريق لشن الحرب العالمية ضد سنة العراق، التي سوف تكون مدمرة وماحقة. اذا كان البعض قد استبعدوا ورفضوا فكرة الاقليم، والبعض الاخر ليس في عجلة من امره، الا ان المحتل الامريكي اليوم يهيمن على الارض العراقية وله كلمة مسموعة لدى من جاء بهم من المنافي وسلمهم السلطة عام 2003. انه يريد فرض مشروعه لتشكيل الاقليم بالاكراه او بالتراضي. 
الواقع يشير الى أن امام اهل السنة حلين لا ثالث لهما، اولهما اقامة اقليم بالتفاهم مع الامريكان وحكومة المنطقة الخضراء باسرع وقت ممكن وبالتالي طرد «داعش». وثانيهما اقامة اقليم بعد سنة او سنتين يفرضه الامريكان حسب مخططهم القديم تسفك فيها دماء كثيرة ويكون انشاؤه قسريا وبالاكراه. أيهما افضل اذن ولماذا ننتظر كارثة الهجوم على الموصل ولماذا لا نتعلم من تجارب التدخلات الامريكية السابقة في دول العالم المتخلف، فالمعروف ان الامريكان اذا ما تدخلوا بعمل عسكري سوف لن يحلوا مشكلة ما، وغالبا ما تكون مصالحهم مناقضة لمصالح تلك الدول. ان الحكومة الطائفية الحالية لم تستطع التعايش مع اهل السنة طيلة احد عشر عاما، كما ان قرارها ليس بيدها، وهي بالتالي لا تمنح الضعيف شيئا سوى بعض الوزارات الهزيلة. ان العراق الموحد في نظر السنة لم يبق منه غير الاسم.. والعراقيون بالتالي اهم بكثير من العراق. فقد قال رسول الله ان حرمة المؤمن خير من حرمة الكعبة. فاتقوا الله وعودوا الى رشدكم قبل وقوع الكارثة. لقد وقع رسول الله صلح الحديبية مع كفار قريش رغم ان ظاهره غبن كبير للمسلمين. اليوم لا بد من الواقعية ولو لحين فالضرورات تبيح المحظورات وليس امامنا سوى تطبيق مبدأ تمسكن حتى تتمكن مع الامريكان واذنابهم فالدماء غزيرة والحفاظ عليها من اقدس المقدسات.

٭ كاتب عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق