بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

اختلاق الآخر - علي بن طلال الجهني

من أهم الشروط التي ينبغي توافرها في المؤمن المــعذب الذي يريد «العتق» من نفسه المـــعذبة ليكـــون «إرهابياً» هو انضمامه إلى «تنظيم» ما، ولا تهم ماهية «التنظيم». أهم الأهم أن يأتي من يقنعه بأن مصدر عذابه ومعاناته ليس نفسه التي فسدت وتعذر إصلاحها، وإنما عدو «آخر» كان ولا يزال سبب عذابه، بل وسبب كل مصائب الأمة.

وبمجرد أن ينضم إلى التنظيم الجديد يشعر بأنه أخيراًً وجد ضالته، فيبتسم وينشد ويرقص فرحاً سواء بحياته الجديدة أم بقرب مماته، ليأخذ ثأره ممن كانوا سبب عذابه.
نعم، بعد أن ينضم الكاره نفسَه التي يريد التخلص منها، ويسلّم قراره لغيره، يجد سعادة لم يجربها من قبل لأسباب كثيرة لعل أهمها أن كل من يعيش حياة «فارغة» يفتقر إلى الثقة بالنفس، فيفرح بتسليم قراره لغيره.
يقول مؤلف كتاب «المؤمن الصادق» من ترجمة الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - (ص 233 و234):
«إن المحبطين أكثر الناس قدرة من أن يكونوا أتباعاً مخلصين. والملحوظ في الجهود الجماعية أن أقل الناس استقلالاً هو آخر من يزعجه احتمال الفشل. وسبب ذلك أن المحبطين يشاركون في عمل جماعي، لا ليضمنوا نجاح مشروع يهمهم، بل ليتجـــنبوا التعرض للوم إذا فشل المشروع. عندما يفشل مشـــروع جمـــاعي يتفـــادى المحبــطون الشيء الذي يخافونه أكثر من أي شيء آخر، وهو ما يكشف عيوبهم الفردية. يبقى إيمانهم بعد الفشل كما كان قبله، وتبقى لديهم الرغبة في المحاولة من جديد.
يتبع المحبطون القائد، لا لأنه سيقودهم إلى الأرض الموعودة، بل لأنه يــقودهم بعـيداً من أنفسهم التي يكرهونها. الاستسلام للقائد ليس وسيلة، ولكنه غاية في حد ذاته، أما الاتجاه الذي يسير فيه القائد فأمرٌ لا يهم كثيراً». (انتهى كلام المؤلف).
هذا هو دور الإرهابي الفرد، الذي وجد في انضمامه إلى تنظيم كبير أكبر منه، ضالته.
فماذا عن القادة الذين يجندون المعذبين؟
في العادة قادة التنظيمات المتطرفة من لينين وتروتسكي وبخارين من قادة البولشيفك الشيوعيين إلى الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي يكونون واثقين من أنفسهم، ومصدر إحباطهم الوحيد، هو اقتناعهم بأن مجتمعاتهم لم تعطهم ما استحقوه من تقدير ومكانة. كذلك الحال بالنسبة إلى هتلر الذي كان مقتنعاً بأنه فنان موهوب غير أن المجتمع الألماني لم يقدره بالمقدار الذي كان يستحقه في نظره.
والقادة هم الذين يختلقون «الآخر». ووجود «الآخر» هو الذي يجتذب الكارهين أنفسَهم كاجتذاب النور للفراش.
وليس مفاجئاً أن نجد من ينتقل من «النصرة» إلى «داعش» أو من «الشباب» في الصومال إلى «القاعدة» أو إلى «بوكو حرام» أو حتى من تنظيمات شيوعية ملحدة في أوروبا أو آسيا إلى «داعش» وأمثالها.
بصرف النظر عن درجة الاختلاف أو درجة التوافق بين تنظـــيم وآخر، فهذا ليس مهماً. المهم أن يجد المعذب تنظيماً يسلم نفسه له، ويتخذ قـــراراته له بدلاً مـــنه. ويقنعه بسهولة أن هناك «آخر» هو عدوه بالـــتأكيد، بل وعدو الأمـــة. ولا يهم من هي الأمة. فقد تكون الروسية أو الألمانية أو الإسلامية.
يروي المؤرخون بأن هتلر المسيحي القومي المتطرف يحث قادة تنظيمه بمحاولة إقناع الشــيوعيــين الألمان بالانضمام إلى «الحزب النازي».
ومن الواضح بالطبع بأن «الآخر» بالنسبة إلى النازيين غير «الآخر» بالنسبة إلى الشيوعيين. إلا أن ذلك لم يمنع آلاف الشيوعيين من الكفر بالشيوعية والانضمام إلى منظمات هتلر النازية.
وكل ما يهم المتطرف المحبط في القرن الماضي ويهمه في الوقت الحالي، هو البحث عن شيء أكبر منه لعتقه من عذابه المزمن.
























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق