بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

الخطاب الضائع للرئيس المرزوقي - محمد كريشان

يها الشعب التونسي العظيم، السلام عليكم ورحمة الله:
في السادس والعشرين من تشرين الأول / اكتوبر المقبل ستنتخبون مجلس شعب حقيقيا بعد عقود من تزييف إرادة الناس والاستهانة بها، وفي الساس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر ستختارون رئيسا جديدا هو الأول منذ الاستقلال الذي يصوت له التونسيون بكامل إرادتهم الحرة من بين مرشحين كثر بعيدا عن تزكية رجل واحد أو انتخابات تعددية هزلية.
ويسرني بهذه المناسبة أن أصارحكم عن إمكانية ترشحي لهذه الانتخابات الرئاسية بعد أن شرفني نواب المجلس التأسيسي باختياري رئيسا مؤقتا، وشرفني أكثر أنني تمكنت من إيصال البلاد إلى بر أمان هذا الاستحقاق الانتخابي بعيدا عن التناحر الدموي أو الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي يحزننا أن دول الربيع العربي سقطت فيه لأسباب مختلفة لا نريد الخوض فيها في هذا المقام.
أيها الشعب التونسي الكريم:
في الثلاث سنوات الماضية واجه مركبنا الوطني الكثير من العواصف والأنواء ظللت فيها ثابتا، قدر استطاعتي وفوقها أحيانا، في احترام المؤسسات ومقتضيات القوانين الانتقالية إلى أن وصلنا بحمد الله إلى سن دستور جديد للبلاد يحق لنا أن نفخر فيه بين الأمم، رغم كل التأخير الذي اعترى صياغته، وقانون انتخابي عصري مع اختيار هيئة عليا للإنتخابات تمنع التلاعب بإرادة المواطنين. كما أننا توصلنا إلى اختيار أعضاء هيئة المصالحة والحقيقة كإحدى أدوات العدالة الانتقالية لطي صفحة الماضي والانطلاق إلى المستقبل.
لقد تحملت مسؤولياتي خلال هذه السنوات بكل قوة ومنعت مع إخواني في المجلس التأسيسي والحكومة أي انزلاق للبلاد نحو الفوضى أو الاقتتال الذي أراد الإرهابيون دفعنا إليه مع ظروف إقليمية مضطربة. استطعنا جميعا أن نضمن استمرار الدولة رغم آلام الاغتيالات السياسية واستهداف جنودنا البواسل في عمليات جبانة، وكذلك رغم أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة عانى منها أبناء الطبقات الكادحة التي ما قامت الثورة أصلا إلا لإنصافهم وانتشالهم من الحرمان والبطالة.
تحملت أيضا طوال السنوات الماضية من الأذى الشخصي والتجريح المباشر الشيء الكثير لكني كنت دائم الحرص على كظم الغيظ والعفو عن الناس فنحن جميعا حديثو عهد بالحرية، نتدرب عليها تدريجيا حتى وإن تجاوزت حدودها أحيانا. لا بأس، كان واجبا علي أن أنهَــى نفسي عن الغضب أو الانتقام حتى لا نكرر مآسي الاستبداد اللعين. كنت وما زلت مؤمنا بأن إدارة الحرية على صعوبتها تبقى أهون بكثير من إدارة كبتها الذي يتناقض على أية حال مع طموحات شعبنا التواق لإنهاء سنوات القهر والخوف.
لقد سعيت طوال هذه السنوات أيضا إلى أوسع تفاهمات ممكنة بين العائلات السياسية في البلاد لأننا نطمح إلى طي صفحة الإقصاء والإلغاء من حياتنا. كنت حريصا على وضع حد لكل أصناف الغلو والتطرف سواء مارسها البعض باسم الإسلام، والإسلام منها براء، أو مارسها آخرون ضدهم باسم شعارات أخرى. كان علينا أن نوطـّـن أنفسنا على إدارة خلافاتنا باحترام وبقدرة على استيعاب الجميع وأعتقد أن المجتمع وقواه الحية استطاع تهميش المتطرفين من كلا الضفتين، التكفيريين والإستئصاليين وهذا مكسب كبير للبلاد والعباد.
لقد اجتهدت وأطمح في أجري المصيب، لكني قنوع حتى بالأجر الواحد لأن ما قمت به عمل يحتاج إلى المتابعة ومواصلة البناء دون كلل فأخطار الانتكاس لا قدر الله ما زالت قائمة. هل معنى ذلك أني الوحيد الضامن لذلك وبالتالي علي الترشح الآن لمنصب رئيس الجمهورية لمواصلة هذا الجهد؟؟ والجواب بكل صراحة هو… لا …و أكــــــــررها مرة أخرى… لآ.
لا… ليس لأني تعبت أو عزفت عما بدأته ولكن لإرساء تقليد جديد في هذه البلاد التي لم تعرف طوال أكثر من نصف قرن سوى رئيسين فقط لأن كليهما تشبث بالكرسي حتى أزيح منه عنوة. أردت أن يتغلب المثقف فيَّ على السياسي فأترك الحكم لغيري يواصل العمل مع آخرين إيمانا بسنة التداول وقطعا مع ما يعتقده كثيرون بأن لكرسي الرئاسة سحرا يتملك صاحبه فيفقده كل تفكير سليم. بلادنا تزخر بالكفاءات ولم أشأ أن أقتدي بعشرات الرؤساء في عالمنا العربي الذين استعذبوا البقاء في المنصب وبحثت في عالمنا الفسيح عن نماذج مشرفة مثل نيلسون مانديلا وليبولد سنغور وغيرهما.
سأبقى ذلك المناضل الذي لا يلين من أجل الحريات والديمقراطية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية ولكن من خارج قصر قرطاج، كما كنت لسنوات طويلة. وإذا كان في العمر بقية فقد، أقول قـــــد، أفكر يوما في العودة إليه لا البقاء فيه حتى لا يقال إن المناضل استطاب الحكم ونسي قيمه التي ناضل من أجلها. لا أريد أن يذكرني التاريخ هكذا.
المهم الآن أن ننصرف جميعا إلى العمل والكد فقد أضعنا كثيرا من الوقت وتونس لن تستعيد عافيتها دون تنمية حقيقية تسند الديمقراطية وتقويها.
عاشت تونس حرة ديمقراطية كريمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق