بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 سبتمبر 2014

◘ مصر والسيسي و «النبي» الكويتي! - جاسر الجاسر

كان من الممكن التوهم أن الأنين اليومي لقناة «الجزيرة» على مصر ومآلها المؤسف صورة إعلامية صادقة لبلد يحتضر أو يتوثب للثورة، كان من الممكن الانخداع بالصور البائسة للتظاهرات الملتقطة اعتسافاً، والمختبئة في
أزقة ضيقة وتحت جدران عمارات نسيها البشر فلم يكملوا بناءها، واعتبارها حالة غضب شعبي عند أولئك الذين لا يحسنون العد ولا يحفظون التفاصيل المستنسخة.

كل الصور السيئة عن مصر كانت تخدع الصغار والتائهين ومدمني القنوات والمنساقين خلف رغبات الشاشات، لكن لا أحد سيقتنع بهذا الوهم وهو يرى التدفق المصري الاستثنائي على شراء شهادات استثمار قناة السويس، إيماناً باستقرار بلدهم ومستقبله، وإعادة انتخاب غير رسمية للرئيس السيسي.
هذا الرجل نبت من الظل وارتقى السلطة عبر سلم «الإخوان»، لكنه أدرك أن مصر أولى، وأن خيانتها ستضيفه إلى قائمة المفسدين وإن ظل في السلطة طويلاً. كان بإمكان السيسي أن يوالي المتنفذين لو كان صاحب شهوة وطالب شهرة، إلا أنه اختار المرتقى الصعب ليكون وفياً لمصر وليس لكافور، وإن امتدحه الشعراء.
المصريون لا يكرهون السيسي، بل يحبونه إلى درجة احتمال كل إجراءاته الصادمة، فلم يخرجوا إلى الشارع نقمة واستياء، وهم الذين واجهوا سطوة مبارك الأمنية التي كانت مضرب المثل حتى أسقطوه، واعترضوا على مآسي مرحلة مرسي فأزاحوه.
الرئيس عبدالفتاح السيسي فرض حظر التجول شهوراً فالتزم الناس به، رفع الدعم الذي لم يجرؤ سواه على المساس به فلم تظهر ضده تظاهرة واحدة، عايش ومواطنوه إرهاباً يومياً يستهدفهم في شوارعهم وحافلاتهم ومحطات نقلهم فلم يتهموه بالتراخي أو الكسل أو الضعف. انقطعت الكهرباء كثيراً فتأقلم الكثيرون مع الوضع الصعب انتظاراً للفرج. واجه كثيراً من الحملات السياسية والإعلامية التي أرهقت الاقتصاد وشوهت صورة البلد من دون أن تنجح في إسقاطه أو تحريك الشارع ضده. السبب البسيط أن المصريين أغمضوا عيونهم وسدوا آذانهم عن كل محاولات التحريض، وراهنوا أن السيسي خيار مستقبلهم، والقاضي على السنوات العجاف، وأثبتوا ذلك مراراً، حتى جاء موعد الضربة القاضية حين ضخوا أموالهم حتى إن بلغت عشرة جنيهات في استثمار القناة، بينما كان الآخرون يحرضونهم على الثورة بسبب البطالة وشح الموارد وكثرة الأعباء.
مصر تمضي في طريقها بثقة لا يعكرها سوى تظاهرات «الإخوان»، التي تصنف القنابل والمولوتوف وإشعال الحرائق وتدمير أبراج الكهرباء ضمن النشاطات السلمية. لم ترد على كل الذين أرهبوها بالعزلة والحصار وتشويه السمعة، بما في ذلك مبادرتها لوقف العدوان على غزة التي رفضها «الإخوان» وشنعوا عليها بدءاً واستنكروها، ثم عادوا إليها مضطرين.
مال العالم إلى مصر فعاد إليها مستثمراً ومتعاوناً وسائحاً وطالب عون في تحقيق الاستقرار، واشنطن التي حاربت القاهرة تتكئ عليها اليوم في محاربة الإرهاب، ويناشدها الغرب لفرض الاستقرار في ليبيا، أما الخصوم فلم يبق سوى اثنين: قناة «الجزيرة» وجماعة «الإخوان»، اللذان حافظا على جلد استثنائي في التأكيد على أن انتخابات مصر هي «انقلاب»، ولعل هذا التوافق والتطابق أنهما صوت واحد لقناعين، ونبرة توهم الآخرين أن رداء الحزبية هو شفافية الإعلام.
المقتنعون أن الانتخابات المصرية انقلاب يهينون الشعب ويحتقرونه، على رغم أنه يبرهن كل يوم أن هذا خياره وقراره. هؤلاء المحرضون مثل السعوديين الذين استمعوا لكويتي ادعى النبوة فعملوا على نشر رسالته وطباعة الكتب والنشرات من أجله في حالة هذيان لا يرتضيها عقل ولا يقبلها مسلم، ومع ذلك فإنهم ظلوا يلهثون خلفه حتى بعد الاعتقال والشرح والتوضيح والبحث عن أي خلية سليمة في رؤوسهم ترفض هذا الخرف والحمق.
نقمة «الإخوان» على السيسي تعود إلى أنهم ظنوه ربيبهم، لذلك سيحاربونه مهما فعل من أجل مصر، لأن مصر لا تعنيهم، إنما همهم السلطة، فلم يغضبوا من «داعش» بسبب جرائمه، إنما بسبب موضوع الخلافة التي هي حلمهم تماماً، مثل حالة النبي الكويتي.
الذين يصدقون مثل هذا النبي هم عينة مثالية لمناصري الإخوان ومتابعيهم، على الأقل يتاح حينها فرز العقلاء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق