بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 7 سبتمبر 2014

«العدل والإحسان»: فرصة للدمج المشروط - محمد الأشهب

في كل مرة يرغب رئيس الحكومة المغربية في الانفتاح على جماعة «العدل والإحسان» المحظورة، يواجه انتقادات قاسية. الظاهر أن عبدالاله بن كيران الذي كان يجاهر بالشكوى من غياب محاورين لحزبه يوم كان في المعارضة، يريد تلافي انسداد أفق الحوار، وإن مع جماعة تصنف قانونياً أنها محظورة. فالخيط الرفيع بين الحظر والدمج يحدده سقف الممارسات السياسية، وإذ تنحاز إلى الشرعية الدستورية أو تغالي في رفض ما تعتبره ديكوراً ديموقراطياً.
بن كيران اختار أسلوباً مغايراً في الحوار، أقرب إلى المكاشفة الصادمة أحياناً. وقال إن الجماعة أمام خيارات الدمج في الحياة السياسية، أو استمرار الصراع مع السلطة أو عرض القوة في الشارع. وبدا ناصحاً، اعتماداً على تجربة حزبه منذ كان ورفاقه نشطاء في حركة «الشبيبة الإسلامية» المحظورة إلى أن شكلوا حزباً حاز مقاعد أقل من الطموح، ثم دنت لهم رئاسة الحكومة بعد صدارة الاستحقاقات الاشتراعية للعام 2011 التي لعبت أجواء «الربيع العربي» دوراً مؤثراً في تكييف نتائجها غير المباشرة.
هل راقت نصيحته لإسلاميي «العدل والإحسان» أم لا؟ في أي حال لم يكن رئيس الحكومة المغربية ليطرح تصوراته لمستقبل الجماعة، لولا أنها بادرت لإبداء الاستعداد لتتحول إلى حزب سياسي، ضمن وضع شروط متشددة حسب خصومها وعادية في نظر مناصريها. لكن ما من طرف يقدر على معاودة صوغ مرجعية تأسيس الأحزاب، على خلفية الوفاق الذي أقر استبعاد الدين والمذهبية والقبلية وحتى اللغة، على اعتبار أن الأمازيغية أصبحت بدورها لغة رسمية إلى جانب العربية. وبين إشكالات الإسلام والأمازيغية حسم المغاربة دستورياً واحدة من أعقد القضايا التي كان الاقتراب إليها ممنوعاً. لكن هوية الدولة التي أدخلت العنصر الأمازيغي والعربي والأندلسي والأفريقي وحتى العبري في مكوناتها، خفضت من مجالات الاستخدام الديني في العمل السياسي، وذهبت أبعد في تحذير أئمة وخطباء المساجد من أي استغلال في هذا المجال.
الرسالة الموجهة إلى الأئمة تتجاوز ما يعرف بـ «القيمين» على المساجد وأماكن العبادة، في اتجاه الأحزاب السياسية التي تتخذ المرجعية الدينية برنامجاً سياسياً. ومن بين أزيد من ثلاثين حزباً لا يوجد غير تنظيمين أو ثلاثة. سبق تأسيسها إقرار نظام الأحزاب. ومن المستبعد وفق هذا النسق أن يسمح لجماعة «العدل والإحسان» بأن تشكل حزباً سياسياً، إلا في إطار التزام صريح بالقوانين الوضعية، فيما أن المواقف السياسية تظل قابلة للميل في أي اتجاه، فأكثر الأحزاب المغربية التي تعارض النظام جذرياً وتعرضت للعنف والاعتقال وخنق الأنفاس انتهت إلى ترجيح خيار التغيير الهادئ من الداخل، أي المشاركة في العمل السياسي، عبر الآليات الديموقراطية المتاحة، أي نظام الانتخابات وأحكام صناديق الاقتراع. وحين صوّت بعضها لفائدة الدستور كان ذلك إيذاناً بفتح صفحة جديدة في العلاقات التي أدت إلى إشراك المعارضة في الحكومة.
لم تهز رياح الربيع العربي المغرب، إلا بقدر ما جعلت النخب السياسية تضع أقدامها على الأرض، بخلاف التحليق في السماء بلا أجنحة. جاء التنازل كبيراً من المرجعية الرسمية التي راهنت على تغيير يبدأ بإصلاحات دستورية شاملة. ورأى الشارع أن نصف حلول ملموسة في اليد أفضل من انتظار الذي يأتي ولا يأتي. وصارت الحرب على الفساد مشروعاً سياسياً مفتوحاً، يرغب بعضهم بأن يخوضها بلا هوادة، فيما يغلب بعضهم متطلبات الاستقرار. لكن الأهم أن التغيير طاول الأحزاب السياسية التي انبرت في اتجاه العودة إلى نهج الديموقراطية الداخلية، وإن تسبب الأمر في تهديد كيانات حزبية ومركزيات نقابية عتيدة. ولم يكن لجماعة «العدل والإحسان» التي ينظر إليها كأكبر تنظيم إسلامي محظور في البلاد أن تشذ عن القاعدة.
على قيد حياته، دعا مرشدها الشيخ عبدالسلام ياسين إلى فتح حوار وطني مع الأحزاب والنقابات وفاعليات المجتمع المدني. لعله كان يتوخى أن تشكل الخطوة بداية انفتاح متبادل، لولا أن الموت غيبه من دون تحقيق هدفه. ثم رأت الجماعة أن الانتقال إلى حزب سياسي مسألة واردة، بمواصفات محددة تنقل ثقل المعركة إلى الضفة الأخرى، كي تبدو في حل من أي انعكاسات. وإن كانت تدرك أن قراراً بهذه الأهمية يظل من اختصاص الجماعة من دون غيرها، إذ في إمكانها اللجوء إلى الآليات سارية المفعول، وفي حال استنفدت ذلك من دون حيازة ترخيص يبقى القضاء ملاذاً أخيراً.
المشكلة ليست قانونية، بل إنها في جوهرها سياسية تختبر إرادة الجماعة والسلطة وباقي الشركاء في آن. فثمة سوابق قانونية لم تسعف في تطبيع العلاقة. لذلك يجوز افتراض أن رئيس الحكومة المغربية رغب في التلويح بالخيارات المتاحة أمام «العدل والإحسان»، من جهة لتبرئة ذمته مما كان يجب فعله إزاء فصيل إسلامي محظور، قد يسجل أن عبدالإله بن كيران لم يفعل شيء لرفع الحظر. ومن جهة ثانية لتحميل الجماعة مسؤولية أي اختيار، وإن كان يفضل أن تختار الذهاب باتجاه المشاركة السياسية، بعد أن تصبح حزباً سياسياً، لكن ذلك لا يلغي فرضية أن كلامه الصادر قبل استحقاقات البلديات التي لا تحتم بالضرورة الانتساب الحزبي على المترشحين يشجع على تجريب الخطوة الأولى في المشاركة. مع أن القرار يبقى بيد الجماعة أولاً وأخيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق