بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 يناير 2015

◘ في الذكرى الرابعة لـ«ثورة 25 يناير»: تساؤلات على هامش «إبهار العالم -مصطفى بسيوني

أبهر المصريون العالم مرتين: المرة الاولى كانت في كانون الثاني العام 2011، عندما انتفضت الملايين متحدّية أجهزة القمع، ومجبرة الرئيس حسني مبارك على ترك السلطة. أمّا المرّة الثانية فكانت في حزيران العام 2013، حين انطلقت حشود أكبر للإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
ولكن على هامش «إبهار العالم»، الذي ارتبط دعائياً بالثورة المصرية، يبقى السؤال: هل أنجزت «ثورة 25 يناير» ما انطلقت من أجله: «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»؟ وهل تمكّنت بالفعل من الإطاحة بنظام مبارك الذي انتفضت الجماهير المصرية ضده؟
لعلّ إحصاء ما تحقق من «ثورة 25 يناير» وما تبقى منها في ذكراها الرابعة، قد يمثل في حد ذاته إبهاراً ثالثاً ليس للعالم فقط، ولكن للثوار أنفسهم.
المشهد العام في الذكرى الرابعة لـ «ثورة 25 يناير» يزدحم بالرموز التي تطرح جميعها بقوة التساؤل عما تبقى من هذه الثورة.
براءة مبارك.. وسجن الثوار
مبارك الذي قامت الثورة ضده، وأودعته السجن، أصبح خارجه «بريئاً» من غالبية التهم التي نسبت إليه، وهو ما ينطبق على ابنيه علاء وجمال اللذين غادرا السجن قبل يومين من ذكرى انطلاق الثورة.
الاب والابنان سبقهم في الخروج من السجن معظم رموز النظام ورجاله، لا بل إن بعضهم استأنف نشاطه السياسي، ويستعدّ لخوض الانتخابات البرلمانية سواء بشخصه أو برجاله.
«الحزب الوطني» الذي هيمن على الحياة السياسية طوال عهد مبارك، واستهدف الثوار مقاره ورموزه، وتم حلّه عقب تنحي مبارك، أعاد بناء كيانات بديلة مدعومة بوسائل إعلام وقدرات مالية غير محدودة، وهو يعود اليوم إلى تصدر المشهد السياسي.
وبينما يغادر رموز النظام السجون يقبع الثوار داخلها!
مؤسسو حركة «6 أبريل»، أولى الحركات التي دعت الى التظاهر في 25 كانون الثاني العام 2011، ومدوّنون وصحافيون وناشطون، أودعوا في السجن بتهمة «خرق قانون التظاهر».
العقاب ليس ضد «ثوار يناير» فحسب، بل ضد فكرة التظاهر نفسها، فالتظاهر والاعتصام كانا الآلية الرئيسة لـ «ثورة 25 يناير»، والحق في التظاهر والاحتجاج كان من بين أهم المطالب التي رفعتها المعارضة المصرية في وجه نظام مبارك.
السياسات الاقتصادية
القبضة الأمنية كانت من أدوات مبارك في الحكم، وقد مكّنته من تطبيق سياساته على الصعيدين الداخلي والخارجي طوال ثلاثين عاماً.
وفي الداخل، طبّق مبارك سياسات الليبرالية الجديدة، بحسب وصفة صندوق النقد والبنك الدولي، وقد عبّرت هذه السياسات عن انحياز واضح لرجال الأعمال والمستثمرين على حساب الطبقات الفقيرة. وبموجب تلك السياسات، عدّل مبارك تشريعات العمل ليمنح صلاحيات واسعة لأصحاب الأعمال في فصل العمال وتخفيض أجورهم وتقييد حقهم في الإضراب، بينما وضع قانوناً للاستثمار يمنح المستثمرين مزايا وتسهيلات وتخفيضات كبيرة، كمّا شرّع طرد الفلاحين من الأراضي الزراعية، وطبق سياسة ضريبية منحازة للأغنياء، في موازاة إطلاق عملية الخصخصة التي تمّ من خلالها بيع وحدات القطاع العام بأسعار زهيدة لرجال أعمال مصريين وعرب وأجانب في صفقات شاب الكثير منها الفساد، وكانت النتيجة تسريح أعداد كبير من عمال القطاع العام.
وكانت النتائج الإجمالية لسياسات مبارك الاقتصادية هي إفقار قطاعات واسعة من المصريين، إلى جانب تراكم ثروات طائلة وتشكل احتكارات لسلع استراتيجية، ونمو مجموعة من رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة السياسية والحزب الحاكم، فيما تزايدت معدلات الفقر والبطالة، وتراجع دور الدولة في التعليم والصحة والإسكان، لتصبح الخدمات الحيوية وأساسيات الحياة خاضعة للسوق.
قبل ذكرى «ثورة 25 يناير» بأيام قليلة، توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الى دافوس لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي. المنتدى نفسه هو منتدى الليبرالية الجديدة، وهو ما يؤكد استمرار النظام المصري في اتباع السياسات الاقتصادية والاجتماعية ذاتها في ذكرى الثورة التي طالبت بـ «العيش» و «العدالة الاجتماعية».
ليس مجرد السير على النهج الاقتصادي نفسه لمبارك ما يقوم به السيسي، فقد وصل الرئيس الى أبعد مما وصل مبارك، وقام بما لم يتمكن من القيام به، فـ «المخلوع»، وفي ظل تطبيقه وصفة صندوق النقد الدولي، ظل حريصاً على عدم الاقتراب من الدعم.
وكانت «انتفاضة الخبز» التي اندلعت في كانون الثاني العام 1977، احتجاجاً على إلغاء الرئيس انور السادات الدعم على السلع الرئيسة ماثلة أمام مبارك وجعلته يتردد دائماً في المساس بهذه الحقوق المكتسبة للشبع.
في المقابل، فإنّ السيسي، وفي أول موازنة عامة في عهده، رفض المشروع المقدم من حكومة إبراهيم محلب، مطالباً بتطبيق سياسات متقشفة، وهو ما حصل بالفعل حيث تم خفض الدعم على الوقود بنسة 30 في المئة، ما أدى لموجة تضخم افتتح بها السيسي عهده.
وفي دافوس أعاد السيسي تأكيد التزامه بالاستمرار في تقليص الدعم من دون حدود.
السياسة الخارجية
ولم يقتصر كلام السيسي خلال مؤتمر دافوس على تأكيد الاستمرار في نهج مبارك اقتصادياً، بل إن تطرقه الى السياسة الخارجية عكس رغبة في المضي في النهج ذاته.
وفي هذا السياق، أكد السيسي - من دون ضرورة حقيقية - التزامه بالسلام مع إسرائيل.
ومعروف أن العلاقات بين النظام المصري وإسرائيل، والمشاركة في حصار المقاومة الفلسطينية في غزة، وتبني مشاريع أميركا في المنطقة العربية، قد شكّلت الركائز الرئيسية لسياسة مبارك الخارجية، وكانت أيضاً من أهم القضايا التي تحرّكت ضدها المعارضة المصرية.
وكانت الانتفاضة الفلسطينية في أيلول 2000 بداية لانطلاق حراك سياسي ممتد في مصر. وشهدت مرحلة غزو العراق في العام 2003 احتجاجات عارمة في مصر تمّ فيها احتلال ميدان التحرير قبل الثورة بسنوات.
وعقب الثورة كان من أبرز الأحداث اقتحام الثوار للسفارة الإسرائيلية في القاهرة، فيما كان أول علم عربي يُرفع في ميدان التحرير هو العلم الفلسطيني.
وبعد أربع سنوات من الثورة، تعود السياسة الخارجية كما كانت في عهد مبارك، ليس على المستوى الدولي فحسب، بل أيضاً على المستوى الإقليمي، حيث تؤكد العلاقات المصرية الخليجية أن النظام ملتزم بالحلف السعودي الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة العربية.
هل انتهت الثورة؟
أمنياً واقتصادياً وسياسياً لم يتغير شيء بعد أربع سنوات من «ثورة 25 يناير».
شعار «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» لم يتحقق منه ما يساوي كل ما بذل من أجل الثورة. تمكن النظام بالفعل من استعادة توازنه ودفع الثورة بعيداً عن أهدافها.
«إبهار العالم» هو كل ما تحقق حتى الآن من الثورة.
في خريف العام 2010 وقف جمال مبارك وأحمد عز متصدّرين المشهد للاحتفال بالفوز الساحق الذي حققه «الحزب الوطني» الحاكم آنذاك في الانتخابات البرلمانية التي جرى تزويرها على نطاق واسع. ربما يعود مشهد الاحتفال في الذكرى الرابعة للثورة بعد خروجهما، الى جانب علاء مبارك وآخرين من السجن، وتبرئتهم من التهم التي نسبتها الثورة إليهم، بعد عملية تزوير... للتاريخ هذه المرة (!)... وربما سيكون هذا المشهد أكثر إبهاراً للعالم من مشهد الثورة نفسه.
قراءة واقعية للمشهد في مصر قد تكون نتيجتها أن الثورة قد انتهت بالكامل، وأن نظام مبارك نجح في استعادة السيطرة كاملة.
ولكنّ الخبر السيئ للثورة المضادة هو أن الثورة في حد ذاتها هي تجاوز للواقع وقطع لتسلسله المعتاد. ولعلّ قراءة واقعية للمشهد المصري في أواخر العام 2010 كانت نتيجتها الوحيدة أن جمال مبارك سيصبح رئيساً لمصر في العام التالي، ولم تكد تمضي أيام حتى كانت الثورة تودعه في السجن مع رجاله... واليوم بعد نجاح الثورة المضادة في إحراز انتصارات متتالية فإن ما تقوم به بالفعل هو إعادة إنتاج الأوضاع ذاتها التي فجّرت الثورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق