بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 يناير 2015

مصر: سنة رابعة ثورة

أحيت مصر أمس الذكرى الرابعة لانتفاضة 25 يناير على وقع الاحتجاجات الشعبية على الحكم المصري، فقتل، بحسب آخر المعلومات، 16 شخصا، وأصيب عشرات آخرون، وبذلك يتكرّر مشهد العام الماضي الذي قتل فيه العشرات أيضاً، الأمر الذي يطبع هذه المناسبة العظيمة بروح الكفاح المستمرة، ويذكر بأن قلب الثورة المصرية العظيمة لم يخمد، رغم كل علامات الغطرسة المستفزة التي ترفعها أجهزة «الدولة العميقة»، والتي كان آخرها إعلان براءة إبني الرئيس المعزول حسني مبارك من دعوى «القصور الرئاسية»، فيما يشبه التشفّي الأسود من أرواح آلاف الشهداء المصريين الذين قاتلوا لإسقاط نظام مبارك وابنيه وحاشيته الأمنية.
افتتحت الثورة التونسية مشهد التغيرات الكبيرة في العالم العربي، غير أن الثورة المصرية ألهبت خيال البشريّة عموماً بحفاظها على سلميّتها وبمشاركة كافة فئات الشعب والاتجاهات السياسية المصرية فيها وبوصولها لإسقاط الدكتاتور خلال 18 يوماً فقط، مما جعلها مثلاً يحتذى وأعطى آمالاً كبرى بالتغيير التاريخي في عالم عربي الذي بقي ممتنعاً على انتشار الحداثة والديمقراطية والحكم المدني، تنوء شعوبه تحت أنظمة استبدادية مهولة في طغيانها وفسادها.
استخدمت «الدولة العميقة» المصرية كافة الوسائل لإخماد الثورة، بدءاً من البطش الدمويّ منذ الجمعة الأولى للانتفاضة يوم 28 يناير، مروراً بنشر الفوضى الشاملة في البلد، واستخدام البلطجية في «موقعة الجمل» في 2 شباط/فبراير 2011، ولكنّ أكبر ألعاب هذه «الدولة العميقة» عملياً كانت إزاحة حسني مبارك عن المشهد، والذي كان تراجعاً مدروساً من قبل المؤسسة الأمنية لصالح المؤسسة العسكرية، تم من خلاله إسقاط رأس النظام، للحفاظ على النظام نفسه، ولترتيب الأوضاع بهدوء لتكسير الثورة.
غير أن عودة «الثورة المضادة»، لم يكن محض مخطط تآمريّ دبّج في الظلام، بل كان أيضاً نتاجاً ومحصّلة لأخطاء سياسية كبرى شاركت فيه النخب السياسية المصرية، بدءاً من الإخوان المسلمين، الذين باتخاذهم قرار السيطرة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، فتحوا المجال كبيرا لخلق استقطاب شعبي كبير بدأ أولاً بين ممثّل النظام والعسكر اللواء احمد شفيق، وممثل الإخوان المسلمين محمد مرسي.
وما لبث فوز مرسي أن فتح المجال لتحالف موضوعيّ بين الأجهزة الأمنية والكتل الليبرالية والسلفية، مما آذن بانفضاض فئات ليبيرالية وشعبية عن السلطة الجديدة، وبظهور آلية ضخمة انخرط فيها رجال أعمال ودول إقليمية وأجهزة الدولة المصرية العميقة في تعميق الاستقطاب وتحويله إلى عتلة للقضاء على الإخوان كمقدمة للقضاء على الثورة ككل.
بوضع الجيش يده على السلطة مباشرة مع انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 أطلقت الثورة المضادة أنيابها الحديدية للبطش بالمعتصمين المصريين في ساحتي «رابعة» و»النهضة» مفترضة، بعقليتها الأمنية القديمة، أنها بذلك تقبر الثورة المصرية، وهو افتراض خاطئ تماماً ولا توجد ملاءة مالية أو سياسية، مهما كان حجمها، قادرة على تغطيته.
نتيجة عمى المصالح الكبير للنخب الليبرالية والسلفية، والتي قبلت قمع الجيش لحرّيات الجميع حين قبلت بذبح الإخوان، دخل المجتمع المصري في دوّامة عنف هائلة، ولكنّه أعاد أيضاً أسئلة الثورة إلى بداياتها، وهي أن لا نظام يقبل بتسليم سلطاته دون عنف.
لكنّ العنف وحده لم يعد قادراً على حماية نظام بعد أن ذاق الشعب طعم الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق