بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 يناير 2015

القضية الفلسطينية ... من يدفع أكثر؟ - عامر أبو شباب

الحرب الدامية على غزة عززت حضور المال كأداة للإعمار وحلبة للتناطح والابتزاز السياسي المتبادل، وكشفت أن المال هو القضية المركزية لأطراف لا ترى إلا رفاهيتها وحسابات عشيرتها الحزبية تحضيراً لتحديات مقبلة لا محالة، مثل الانتخابات أو الحرب أو التحكم في السلطة المقبلة من الداخل، أو الحفاظ على السلطة الحالية.
إصرار حركة «حماس» على اعتماد موظفيها في هيكلة السلطة وإدراجهم على سلم المال الأوروبي والأميركي والخليجي كشرط لكل الحلول – إن وجِد- أكد مركزية المال كمشروع دولي لتحقيق التسوية وفق موازين القوة التي يمتلكها الاحتلال، أو بهدف تأجيل الصراع بالتسكين المالي، في المقابل تصر السلطة على عودة موظفيها إلى العمل كأولوية لاستعادة السيطرة على قطاع غزة وتثبيت الحسبة السياسية الآلية والحسم المبكر للانتخابات في القطاع.
لكن الأخطر في تصور «حماس» للمال والمطالبة به اقتصارها على تثبيت حقوق قاعدتها العاملة في الحكومة، واستثناء الشعب في غزة الذي صبر على إدارتها المحلية التي لم تكن مثالية، وتحمّل من أجلها الحصار، وثلاثة حروب والموت في الأنفاق وحرقاً بالشموع، فلم نسمع قيادة «حماس» تنادي بالمال لباقي الغزيين ولا حتى ضمن برنامج الشؤون الاجتماعية، وبرنامج جدارة للخريجين الذي لم يستكمل والإصرار عليه، حتى شعبنا المشرد من سورية ليس على بال لا المقاومة ولا المنظمة بقدر الكارثة الحاصلة، وتمكين فرضيات اللجوء إلى البلدان الباردة في مقابل حق العودة، فاللاجئ الذي يبحث عن خيمة وبطانية لن يحتفظ بحق العودة. ولعل ناتنياهو فهم جوهر الأزمة الفلسطينية الداخلية، وجمّد أموال السلطة ليضيق هامش المناورة بين «فتح» و»حماس»، وجلب الجميع على أرضية خطط الليكود لاحتواء القضية الفلسطينية وتعزيز فرصة حل الاقتصاد في مقابل الأمن.
النائب محمد دحلان فهم معادلة المال من أهم عواصم المال العربية، وجعل مدخله إلى قطاع غزة وحركة «فتح» عبر حقائب المال تحت عنوان المساعدة والإغاثة، إلى درجة أن «حماس» عدوه اللدود سابقاً، قبلت مدخل الرجل على أساس الشراكة في إدارته وتوزيعه.
إن الاستمرار في تسليع العمل الوطني، وعرضه في مزادات السياسة والتحالفات الداخلية والخارجية يحمل أخطاراً كبيرة، ويجعل صلابة القضية الوطنية في زمن الاحتلال المباشر أفضل حالاً، وأكثر فعالية من زمن الاحتلال غير المباشر، الذي يسعى إلى تحويل غزة والضفة إلى وضع أشبه بحال الأسرى في سجونه واعتماد نظام «الكنتينة» – حيث يدفع الأسير والسلطة ثمن الخدمات في سجون الاحتلال - داخل السجنين الصغير والكبير.
إن البقاء في دوامة المال التي تجيدها إسرائيل وأميركا وأوروبا وإيران وتركيا وقطر قبل المصالحة الخليجية وبعدها، يعني إذلال الشعب الفلسطيني وتمييع قضيته لمصلحة تسويات إقليمية باهظة الثمن وذهاب طوعي إلى تسوية عنوانها الاقتصاد في مقابل الأمن، وتقديم الشعب لقمة سائغة للاحتلال، يومئذ يفرح نتانياهو وقومه ويطمئن آخرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق