بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 يناير 2015

◘ أوهام تحرير الموصل -نوح سمعان

مضى على سقوط مدينة الموصل ما يقارب الأربعة شهور. ومنذ سقوطها ونحن نسمع التصريحات المتعاقبة لمحافظ نينوى بتشكيل قوة عسكرية لاستعادة المدينة، لكن واقع الحال لا يشير إلى شيء حقيقي على الأرض يتناسب مع هذه التصريحات ، كما لم يصدر عن الحكومة ما يشير إلى قناعتها بوجود مثل هذا الجهد رغم الحديث عن آلاف المتطوعين الذين لم نلمس لهم وجوداً أو تغطية إعلامية .

والأمر الوحيد الذي رأيته كان استعراضاً بائساً لعشرات الجنود يضعون على أكتافهم الكلاشنيكوف بثته إحدى القنوات من دون أن يُظهر التقرير أي وجود لآلية عسكرية أو سلاح متوسط، ومن دون أن ينقل لنا أي شيء عن التدريبات التي يمارسونها ومَن الذي يدربهم ، فهل بمثل هذه القوة الكارتونية سيتم تحرير الموصل ؟ !
كما لم يأت ما يشير إلى أن الحكومة أو الولايات المتحدة قدمت دعماً مادياً أو عسكرياً للمحافظ أو القوة التي يدّعي تشكيلها، لاسيما أن التقرير الذي رفعته المخابرات العراقية لرئيس الوزراء كان محبطاً.
نحن نتمنى أن يكون ما يقوله المحافظ صحيحاً لنطمئن، لكن لا نرضى إطلاقاً أن يضحك علينا أو يخدعنا أحد، وحتى الآن لم نجد ما يشير إلى صدق ما يُذكر من وجود لمثل هذه القوة.من جانب آخر، تتوارد معلومات أن الحكومة بدأت بتجميع العناصر التي فرت من الموصل في وحدة عسكرية بلغ قوامها خمسة آلاف عنصر، وهذا الخبر القديم تراجع أيضاً في وسائل الإعلام ولم يعد يذكره أحد، وجميعنا نعلم أن إقليم كردستان يرفض وجود أي قوة تابعة للحكومة العراقية في كردستان، مهما كان المبرر لوجودها قوياً.
وعلى صعيد ما يذكره المحافظ عن أن الوحدات التابعة له تشن هجمات على «داعش» فإن مصادر مطلعة تكذّب هذه التصريحات، وما يحصل داخل الموصل، على قلته، لا علاقة للمحافظ به، بل إن هذه التصريحات ولّدت رد فعل قوياً ضد المحافظ ونقمة عليه في الأوساط العسكرية الموصلية، لأن «داعش» واحتياطاً للأمر اعتقلت ونفذت إعدامات طاولت العشرات من الضباط في المدينة، ربما كان يؤمل أن يكونوا نواة لقوات التحرير .وأمام إصرار عسكر الموصل على عدم التعاون مع المحافظ، رفع الأخير ١٦٥ اسماً لضباط في الشرطة يطالب بفصلهم من الخدمة بحجة أنهم متواطئون مع «داعش»، وقد تريث وكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي في تنفيذ الطلب لمعرفته الأكيدة بدور هؤلاء الضباط في التصدي لتنظيم «القاعدة» ومحاربته.
إن ورطة الموصل اليوم والتي ستعرقل عملية التحرير هي الانقسام الشديد بين المحافظ وكتلته الانتخابية «النهضة»، والتي وصل بها الأمر إلى أن تفصله من عضويتها رغم كونه رئيسها، وأيضاً خصامه مع بقية الكتل السياسية إلا كتلة الحزب الديموقراطي الكردستاني التي اشترك معها في صفقات تجارية ونفطية واسعة، ولا تجد ما يدعوها إلى معارضة المحافظ أو الاستعجال في تكوين القوة الموصلية المسلحة ( ربما إلا بعد ضمانات بالإقرار بكل المطالب الكردية السياسية والجغرافية والاقتصادية)، فالقيادة الكردستانية تخشى أن لا تستطيع مثل هذه القوة، إذا ما تشكلت، أن تضمن نتائجها، إذ مع أول نجاحاتها ستشهد آلاف المتطوعين في صفوفها وستقلب كل المعادلات وكل الاتفاقات، فالسياسة الكردية- الشيعية المشتركة كانت ولا تزال أن لا تكون للموصل قوتها الخاصة بها.
من هنا تتضح خطورة الدور الذي يلعبه اثيل في تخدير الجمهور وتعطيل دور مجلس المحافظة، سواء كان واعياً لذلك أم لا!
نعم، القوة التي يعِد اثيل بها الجمهور ستتشكل، لكن ليس الآن وإنما بعد أن تسيطر قوات البيشمركة على كل الحقول النفطية في نينوى ومناطق تمركز الأقليات الايزيدية والشبكية والمسيحية وإلحاقها بإقليم كردستان، وبعد أن تسيطر القوات الحكومية على تلعفر، وعندها ستظهر القوة العسكرية التي يبشر بها محافظ نينوى، لكنها في غالب الظن ستكون قوة لتصفية الحساب مع الخصوم، خصوصاً القوى العشائرية التي ناهضت اثيل، أما بالنسبة إلى المحافظة، فسيعقد اثيل اتفاقاً مع الإقليم ليكون للمحافظة والمحافظ جزء من إيرادات النفط، فأما حصة المحافظة فلتبرير التنازل باعتبار أنه مكسب لها، وأما المحافظ فلكي يعزز بحصته دوره السياسي أمام القوى المنافسة الأخرى .
والمهم ما هو موقف القوى الشعبية من هذه السياسة الملتوية ؟
مجلس المحافظة بعمومه مدرك لذلك، وهناك تفاهم عربي - تركماني على إقالة المحافظ، والعقبة الوحيدة تتمثل في موقف «الحزب الإسلامي» الذي يعارض تغيير المحافظ ويدعو المجلس إلى التفاهم معه عسى الوصول إلى خطة عمل مشتركة، ونجد لذلك ضغطاً يمارس اليوم من قبل المجلس على عناصر الحزب في مجلس المحافظة لتغيير موقفهم. ووصل الأمر، في مسلسل الضغوط والإغراءات، إلى أن يعرضوا منصب المحافظ عليهم، لكن الحزب رفض هذا العرض في شكل قاطع عبر تصريح نشره نائب المحافظ المنتمي إليه، وأعقبه بظهور إعلامي مترافق مع اثيل. لكن يبدو أن مجلس المحافظة استطاع كسب تأييد الأعضاء المنتمين إلى «الاتحاد الوطني» وربما سيمضي في الإقالة، وهذه ستضعف موقف «الحزب الإسلامي» أمام مجلس المحافظة إلى حد بعيد. كيف تنظر بغداد إلى ما يجري في الموصل؟ لا يبدو أن القائد العام للقوات المسلحة وحلفاءه في الحشد الشعبي مكترثون للأمر، ولا يعتقدون بوجود قوى عسكرية مؤيدة للمحافظ، ويعتبرون معركة الموصل مؤجلة ولا تكتسب أولوية.
أما الموقف الأميركي فهو استغلال كل الذي يجري لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة وبناء مراكز قوى تابعة لها، أما الوقائع على الأرض فيريدونها في خدمة سياساتهم البعيدة المدى ... وإلى الله المشتكى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق