بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 يناير 2015

شكراً لك أيها الفلسطيني - سعيد ولفقير

قبل أيام أبهرت فرقة التخت الشرقي الفلسطينية متابعي برنامج «أراب غوت تالانت»، ونالت إعجاب لجنة التحكيم، إلى درجة أن أعضاءها نزلوا من كراسيهم الوثيرة، إجلالاً وتقديراً لفلسطينيين صغار صنعوا ما لم يصنعه الكبار.
أعضاء فرقة التخت الشرقي هم من بين الملايين المحاصرين وسط العزلة في قطاع غزة، وقد استطاعوا من خلال أدائهم لأغنية «على الله تعود على الله» للفنان الكبير الراحل وديع الصافي، أن يترجموا الوجع والألم إلى مقطوعة من الحياة والأمل.
هؤلاء المبدعون وراءهم قصة إنسان، مرمي في براثن النسيان، إنسان ينهض من نومه فلا يجد أمامه سوى الموت والدمار، يحلم بمنزل، بشارع، بمدينة، بأرض، وبوطن مسروق، يجمع قواه وأشلاءه كل صباح، يخرج من مسكنه وعلى كتفه حقيبة، يمضي وسط الزقاقات الغارقة في الركام، يتجاهل الحزن، يرميه في أقرب مزبلة عمومية.
كل يوم يقاوم ويكافح، ليس من أجل كسرة خبز، بل من أجل الكرامة والحرية، ومن أجل قضية مركونة في رفوف مغبَرَة، هو نفض الغبار عنها، وحَوَّلَها أحاسيس تنــطق نوتـــات موسيقية، وبأنامله الصغيرة، وعلى سطور آلة القانون، أحيا فينا وطناً من الحروف والنوتات. وفي لحظة بكى واعتصر دموعاً تختمر شوق المنتظرين ولهفة المغرمين، لأرض، لوطن، لحق يأبى النسيان.
المؤسف أننا، سواء كنا عرباً أم مسلمين، أو حتى بشراً، نرى الفلسطينيين مجرد أرقام تتصاعد في نشرات الأخبار. هي أرقام لشهداء أحياء وليست لأموات في سبيل الموت. المؤسف أيضاً أننا قد نستنكر، قد نشجب، قد نخرج في تظاهرات حاشدة، لكننا أحياناً في قرارة نفوسنا نقول: فليموتوا، فليحترقوا...هذا قدرهم، نحن في غنًى عن مشكلاتنا ومعيشتنا الضنكة.
نراهم مرة أخرى على الشاشات، ولا نبالي. نأكل ونشرب ونستمتع بحياتنا في بحبوحة الأمن والاستقرار، ونبرر الأمور بأنها قسمة ونصيب، وننسى أن الأمر ليس مجرد قضية فلسطيني واحد، أو حتى عربي أو مسلم، بل هو أكثر من ذلك، قضية الإنسانية جمعاء.
فَيَا أيها الفلسطيني لا تأبه لكلامنا هذا، فنحن غرقنا في همومنا الضيقة، فرقتنا المصالح المتناحرة، ودمرتنا أخطاء لا يرتكبها طفل شقي. فَيَا أيها الفلسطيني، سامحنا عما بدر منا من خذلان ونكران.
سامحنا على تلك الخطب الرنانة الكاذبة، سامحنا على نفاقنا. سامحنا على تلك الاجتماعات والمؤتمرات الفاشلة. سامحنا على استغلاليتنا الحقيرة لهمومك. سامحنا لأننا نحن الشعوب، غُسِلَت أدمغتنا وضاعت سفينتنا، بين رياح الشرق والغرب.
فَتَحِيَّة إجلال وإكْبَار لك أيها الفلسطيني، صغيراً كنت أو كبيراً، شاعراً أو كظاتباً، مهندساً أو طبيباً، فناناً أو مقاوماً.
أنت تُعَلِمُنا كيف نصنع من العدم حقيقة، ومن الألم أملاً، ومن المعاناة إبداعاً، ومن المستحيل ممكناً، ومن الاحتلال مقاومة، ومن الهزيمة انتصاراً، ومن الموت حياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق