بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 يناير 2015

ثلاثة اعتبارات للنهوض بالقضية الفلسطينية - باسل أبو حمدة

تبقى مآلات التحرك الفلسطيني باتجاه إعادة تدويل ملف القضية الفلسطينية رهناً باعتبارات عدة نناقش هنا ثلاثة منها. وهي لا تقوم على عوامل نرجسية غارقة بذاتيتها بقدر ما تشكله من ضرورات موضوعية لها مبررات وحوامل لا تخطئها عين.
فقراءة سريعة لمسيرة أوسلو تظهر بوناً شاسعاً بين ما كانت عليه خريطة الأحزاب والقوى السياسية الإسرائيلية عشية توقيع الاتفاقية عام 1993 وما آلت إليه بعد أكثر من عشرين عاماً، مما بدا محاولات ومفاوضات فاشلة لتطبيق بنودها. فقد اضمحلت أحزاب وتكتلات وأفل نجم بعضها وظهرت مكانها أخرى القاسم المشترك الأعظم بينها يتوّج الطبيعة العنصرية للكيان من خلال مشروع قومية الدولة اليهودية، وانعكسات ذلك على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، ما يعني أن تلك المسيرة لم تؤدِ إلا إلى تعزيز مواقع ووحدة القوى اليمينية الإسرائيلية الأكثر تطرفاً وتصدرها المشهد السياسي في الدولة العبرية، وإلى مزيد من الوهن والتشرذم في خريطة القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية، فضلاً عن تخلي المحيط الاقليمي العربي، بجانبه الرسمي على الأقل، عن شعار مركزية القضية الفلسطينية.
لكن ما تكسر على صخرة التعنت الإسرائيلي والإمعان في العدوان وبناء مزيد من الوحدات الاستيطانية، بدأت بوادر إعادة بنائه تلوح على الساحة الدولية من خلال محطات عدة ربما أهمها الاعتراف الأممي بدولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وتصويت ثماني دول أعضاء في مجلس الأمن بما فيها فرنسا لمصلحة مشروع القرار الفلسطيني- العربي لوضع سقف زمني للاحتلال، فضلاً عن موجة الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين، ما يعني أن ثمة مزاجاً أممياً جديداً يميل إلى الانفلات من عقال عملية أوسلو وتكذيب الرواية الاسرائيلة حول أسباب فشلها، وبالتالي إلى البحث عن أطر سياسية أخرى جديدة، غالباً ما ستكون أممية، لمعالجة الصراع العربي - الاسرائيلي.
إن إعادة تدوير الدم في عروق التحرك الفلسطيني أممياً لن تؤتي أكلها من دون وضع عنوان سياسي عريض لها ضمن برنامج وطني فلسطيني واضح المعالم بما يقتضيه ذلك من مد جسور الثقة والحوار على قاعدة الثبات مع القوى والدول المؤيدة للقضية الفلسطينية وفتح قنوات حوار مع نظيراتها المترددة، وقبل هذه وتلك، السعي حثيثاً لفتح قنوات اتصال مع القوى والدول المؤيدة للدولة العبرية، فمن كان يصدق أن دولة قصيّة كرواندا يمكن أن تقف عقبة كأداء أمام استصدار قرار من مجلس الأمن يعيد القضية الفلسطينة إلى مربعها الأممي ويضع سقفاً زمنياً لإنهاء الاحتلال.
أما الاعتبار الثالث والأهم المتعلق بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، فلا ينطلق من إعادة الاعتبار لأسس النظام السياسي الفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني ومنظمات المجتمع المدني)، الذي مكن من ابقاء القضية تنبض بالحياة حتى هذه اللحظة فحسب، بل من تفعيله وتجديده أيضاً على قاعدة أن وجود السلطة في رام الله لا يشكل إلا جزءاً من الكيان السياسي الفلسطيني وليس العكس، بحيث يصار إلى إعادة إيقاف الجسد الفلسطيني على قدميه بعد أن ظل واقفاً مقلوباً على رأسه طوال سنوات متاهة أوسلو المظلمة، ومن ثم قطع الأيادي التي تحاول جر الفلسطينيين إلى صراعات عربية -عريبة غريبة عن قضيتهم وعن ثقافتهم السياسية.
ثمة ثلاثة اطارات تتداخل مشكّلة المنظومة السياسية الفلسطينية، التي تقود وتحرك القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، وهي الاطار الرسمي وتمثله السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وحركة التحرير الوطني فتح، كونها جميعاً تعمل تحت قيادة واحدة، والاطار الكفاحي أو حركة التحرر الفلسطينية ممثلة بأجنحة في فتح وفصائل الثورة الأخرى وعلى رأسها الجبهتان الشعبية والديموقراطية، التي لم توقع على تعديل الميثاق الوطني، والحركة الاسلامية الفلسطينية ممثلة بحركتي حماس والجهاد. وجميعها تتداخل مشكلة النظام السياسي الفلسطيني بحيث لا يمكن اقصاء أي منها ساعة النظر إلى القضية الفلسطينية كونها قضية وطنية تمر في حالة ركود واستعصاء.
السلطة الفلسطينية، التي هضمت منظمة التحرير، وقعت اتفاقية اوسلو واختارت طريق التسوية حلاً، مستبعدة أشكال الكفاح الأخرى وأولها الكفاح المسلح، وما كان ترددها في احالة جرائم العدوان الصهيوني المتواصل الى محكمة الجنايات الدولية سوى انعكاس لموقفها الأشمل القائم على ثنائية الحل وعدم اعادة ملف القضية الفلسطينية الى الحاضنة الدولية وابقائها ضمن صيغة اسرائيل المفضلة، والمتمثلة في انجازها التاريخي عندما تمكنت من فرض ثنائية المفاوضات والتسوية، بينما لا تزال الحركات الاسلامية وعدد من الفصائل الأخرى تحتفظ ببرنامجها الخاصة التي ترفض الاعتراف بدولة الاحتلال وبمخرجات التسوية جزئياً أو كلياً، ولا تزال تعتمد جميع وسائل الكفاح ضد الاحتلال بما في ذلك الكفاح المسلح، فضلاً عن أن بعضها لا يزال يطالب بتحرير فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.
وبما أن خريطة الخلافات والاختلافات البينية الفلسطينية لن تزول بجرة قلم، وهذا أمر طبيعي، فإن منطق الأشياء يقول إنها يجب أن تضاف إلى القائمة الطويلة لمكامن القوة الفلسطينية الطويلة عوضاً عن أن تبقى مشكلة عقبات كأداء أمام ولوج حقوق الشعب الفلسطيني حيز التنفيذ واستنباط الوسائل المناسبة لتحرير أرضه وتقرير مصيره، ولنا في تجربة الخلافات والاختلافات الاسرائيلية - الاسرائيلية مَثل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق