بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 يناير 2014

الاستفتاء واعادة انتاج مفهوم الفرعون

يتوجه المصريون اليوم وغدا للمشاركة بالاستفتاء على الدستور المعدل وسط حالة من الاستقطاب الحاد بين مؤيديه ومعارضيه. وفيما استخدمت الدولة كافة طاقاتها لحث المواطنين على المشاركة وتأييد الدستور، استنفرت الاجهزة الامنية لحجب اي صوت معارض ومتحفظ على الاستفتاء.

الدعوة لخيار ‘نعم’ شهدت دعاية مكثفة، سواء من خلال استنفار وسائل الاعلام من صحف واذاعات وتلفزيونات، خاصة وحكومية، أو نشر اليافطات في كل شارع وحي، الى حملات طرق الابواب والرسائل النصية على الهواتف، والمؤتمرات الجماهيرية التي شارك بها وزراء وكبار المسؤولين في الدولة، ورجال الدين مثل البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وشيوخ الازهر ودار الافتاء.
ورغم ان اي عملية ديمقراطية حقيقية تتطلب عرض كافة الآراء المختلفة بشفافية، الا انه وللاسف وجد معارضو الدستور ومعارضو الاستفتاء انفسهم عرضة للملاحقة والاعتقال لمجرد ممارسة حقهم بالتعبير عن الرأي والتجمع السلمي، وهو ما دعا منظمة ‘هيومان رايتس ووتش’ للتحذير من تنامي قمع المعارضة السياسية اثر اعتقال سبعة نشطاء سلميين في حزب ‘مصر القوية’ الذي يرأسه عبد المنعم ابو الفتوح، بعد العثور بحوزتهم على ملصقات تنادي بالتصويت بـ’لا’، وملصقات ‘مصر القوية’ لا تدعو للعنف بل تفسر رفضها الدستور بخمسة اسباب: ‘لا لمحاكمة المدنيين عسكريا’، و’لا لضياع هيبة الجيش وتسييسه’ و’لا لمنع الرقابة على فساد المؤسسات’ و’لا لضياع حقوق الغلبان لحساب رجال الاعمال’ و’لا لاستمرار بلطجة الداخلية’. وهذا ما يؤكد ان السلطة لا تريد من الاستفتاء عملية ديمقراطية بل تريد نتيجة ‘نعم’ وهو ما اجبر حزب ‘مصر القوية’ على الانضمام للتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب بمقاطعة الاستفتاء على الدستور. وبقي التيار الثالث الرافض لحكم الاخوان والعسكر الذي يضم احزابا وحركات سياسية، ابرزها ‘طريق الثورة’ وحركة ’6 ابريل’ الشبابية ومجموعة ‘لا للمحاكمات العسكرية’ وحده الداعي للتصويت بـ’لا’.
وفي ظل حالة الاستقطاب الحاد التي يشهدها المجتمع المصري تظهر باستحياء اصوات بعض المتحفظين الذين يرون ان كلا من تيار الاسلام السياسي والتيار المدني يمارسان نهجا اقصائيا تجاه بعضهما، معتبرين مشروع دستور 2012 الذي تم اقراره بغالبية 63.8 بالمئة ترسيخا لحكم اسلامي لا يأبه لأية رؤى مدنية، بينما يراعي مشروع الدستور المعدل الحقوق المدنية بحماية الجيش، بما يخشى معه ان تتحول البلاد الى حكم عسكري بثياب مدنية.
وفي مشهد هذا الحشد الاعلامي الهائل ومحاولات تغييب اصوات المعارضة، من المتوقع ان تتجاوز نتيجة الاستفتاء تأييدا للدستور نسبة الـ70 بالمئة، لكن ما تتطلع اليه السلطات في مصر هو نسبة مشاركة عالية لتكون دفعة قوية لترشيح وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية، ولتكون نسبة المشاركة بالاستفتاء وعلى ترشيحه شيئا واحدا، وهذا ما يظهر جليا بيافطات تحمل صورة السيسي بالزي العسكري وكتب عليها ‘نعم للدستور’.
العديد من التصريحات والمقالات في الصحف المصرية يوم امس، اعتبرت التصويت بنعم، تصويتا بنعمين واحدة للدستور واخرى للسيسي. هذه الدعوات تعتبر نكسة للمفهوم الديمقراطي الذي قامت عليه ثورة 25 يناير. وكان بالامكان اخراج التأييد للسيسي بطريقة تراعي التوجه الذي اتخذته مصر بالثورة بدلا من ان تكون نوعا من فلكلور سياسي، لن يؤدي الى معجزات لا بالنسبة الى الوضع الاقتصادي ولا بالنسبة للوضع السياسي، فهناك عملية طمس للسياسة وافراغها من مضمونها، على حساب ابراز شخص واحد، وهو ما يعتبر اعادة انتاج لمفهوم الفرعون بالتاريخ المصري.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق