بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 يناير 2014

إتهامات ‘تكفير’ اليهود في إسرائيل بسام البدارين


لا يبدو حديث الإسرائيليين عن يهودية كيانهم ملهما ولا إبداعيا فمثل هذه الدعوة لا تعني إلا رغبة إسرائيل في التخلص من مليون ونصف عربي فلسطيني يقولون بكل اللغات ويوميا بان ما يسمى إسرائيل اليوم ليس أكثر من كيان مصطنع وأن المكان برمته عربي فلسطيني في الأرض والطين والإنسان والشجر والحجر.
يمكن لإسرائيل أن تقول بوضوح للعالم بأن القصة متعلقة ليس في إيمانها بما يسمى بالدولة اليهودية ولكنها متعلقة في شعورها الداخلي المستقر بانها مشروع غير منجز ولا تنتمي للحجر والشجر والمكان وتخشى فعلا القنبلة الديمغرافية وتسعى للتخلص من فلسطينيي الساحل عبر حشرهم مع فلسطييني الداخل وفقا للتسميات التي يحبها الصديق مازن القاضي.
من هنا تقفز الألعاب التفاوضية التي تقترح على السلطة الفلسطينية إقتطاع حصة من أرض فلسطينيي الساحل وتمكينها منها.
تل أبيب لا تستطيع قول هذا الكلام للعالم ولا تستطيع الموافقة على الدولة الثنائية لنفس السبب وتلجأ لإخفاء مخاوفها وهواجسها اليوم خلف ستار ما يسمى بالدولة اليهودية التي تعني بأن مليون ونصف المليون فلسطيني لا مكان لهم في وطنهم التاريخي.
إسرائيل تحكمها عصابة ليس أكثر ولا زالت تفكر بعقلية القلعة رغم ان بلدا مثل الأردن نصحها عشرات المرات بمغادرة هذا التفكير.
عندما يتعلق الأمر بتفكير عصابات يتم الإعتماد على ‘حق القوة’ بينما يملك الفلسطيني وسيبقى يملك ‘قوة الحق’.
لا يوجد في عالم اليوم المتحضر شيء إسمه الدولة اليهودية أو حتى الدولة الدينية وأغلب التقدير أن حكام الكيان الغاصب يعرفون ذلك جيدا وإن كان جون كيري يفكر في منح نتنياهو هذا الإسم كرشوة سياسية حتى لا يعيق اللوبي اليهودي تفاهمات النووي الإيراني.
لكن العالم المتحضر الغربي الذي دفع وحده ثمن إنشاء وعدوان وبقاء إسرائيل قد يسمح لهذه العصابة بالعبور بقصة يهودية الدولة ما دام الطرف العربي ضعيفا مهزوما يلهث وراء بقايا الفتات الذي يضعه جون كيري على الطاولة وما دام الطرف الفلسطيني مهووسا ومشغولا بقصة الرواتب على حساب اي قصة جوهرية أخرى.
زمن الدول الدينية ولى من غير رجعة ولا يجوز ان نسمح نحن العرب لنخبة من متطرفي إسرائيل بالإفلات بفكرة اليهودية لانها تشكل خطرا كونيا قوميا على العالم وليس على الأمة الإسلامية والعربية فقط.
الدولة الدينية مسألة تجاوزها العالم المتحضر ولم تعد الشعوب تؤمن بها ولا تشكل إلا قفزة على الواقع والزمن وإسرائيل تقدم الدليل تلو الآخر على أنها كيان عنصري مقيت يؤمن بالجدران العازلة والتقوقع ويرفض الآخر بل ويقتله ويرفض الشراكة بنفس الشراسة التي يرفض فيها السلام الحقيقي .
صديق دبلوماسي مخضرم يعرف الإسرائيليين جيدا طرح امامي السؤال التالي : المجتمع الإسرائيلي نفسه منقسم في مسألة الديانة اليهودية فكيف تفكر العصابة إياها بدولة يهودية؟.
وجهة نظر الصديق أن المتطرفين المتدينين في المجتمع اليهودي يعتبرون أصلا كل من يخالف عاداتهم وتقاليدهم ولا يقلدهم عبارة عن ‘كافر’ حتى لو كان إسرائيليا ويعيش جنبا إلى جنب مع اليهود أنفسهم.
عبارة ‘أنت لست يهوديا’ تتردد بقوة في أعماق المجتمع اليهودي بناء على اختلافات سياسية أو ميدانية محورها قتل الفلسطينيين وتشريدهم …كيف يمكن لمجتمع منقسم دينيا على نفسه بهذه الطريقة أن يصبح دولة يهودية فعلا إلا إذا كان المقصود تلاعبا جديدا بمشاعر وأخلاق الكون يؤكد للمرة الألف بان الجماعة ليسوا بصدد السلام وكل ما يريدونه فقط ‘عملية ‘ سلام تفضي إلى لا شيء محدد.
الغرب سيحشر نفسه في دائرة التخلف وصناعة الإرهاب مجددا إذا دعم مطالب يهودية الدولة والعواقب ستكون وخيمة لانها تعني ببساطة بان دعاة الدولة الدينية بيننا هم على حق بكل الأحوال .
السماح لحكام تل أبيب بالإفلات بالقصة يعني الموافقة ضمنيا على عودة صراع الأديان وإقرار مبدأ حق كل المجتمعات بالتحول إلى دول على أسس دينية تماما مما يعني ضمنيا سقوط النظام العربي الرسمي الحالي كما نعرفه والغرق مجددا في دوامة عنف لا تنتهي.
إسرائيل تكذب وهي تطالب بيهودية الدولة لأنها تعرف مسبقا بان أكثر من مليون ونصف المليون يهودي روسي في مجتمعها المفتت المنغلق على حاله ينظر لهم باعتبارهم ليسوا يهودا ويتم تكفيرهم وإخراجهم من ملة اليهود فيما يستذكر صديقنا الدبلوماسي الرأي القائل بأن اليهودية ‘قبيلة’ في الواقع وليست دينا .
وتكذب لأن الهدف سياسي بإمتياز يبدأ بالحصول على إقرار عربي بيهودية الكيان ثم ينتهي بإلغاء حق العودة وترانسفير جماعي للأرض والإنسان الذي تتكلم سواحل يافا وقلاع عكا بإسمه وإسم لغته .
الدول العربية الضعيفة ومن ورائها السلطة الفلسطينية البائسة يمكن أن يتورطوا في الموافقة على إقرار المبدأ لتبدأ معركة وجودية جديدة على أساس ديني مع المجتمع اليهودي المستجد المقيم في خاصرة المجتمعات الإسلامية .
لا أتصور أن العالم مستعد لمجازفة من هذا النوع لكن بعض السياسيين يمكن أن يورطوه في حرب دينية كونية لا أحد يتوقع نهايتها .
بالمقابل يبدو العالم العربي مستسلما في مواجهة الخطر الماحق الذي يرتدي عبارة سياسية بإسم يهودية الدولة وهي عبارة سامة تنطوي على خطر حقيقي يواجه النظام الرسمي العربي وجميع الدول العربية والمنطقة بل والعالم لأنه ‘يسمم’ عقول الناس ويدفعها للتفكير بالإندفاع وراء الدولة الدينية والصراع مع مجتمعات تعتنق بقية الأديان.
إسرائيل تتصرف أصلا كدولة مارقة تعتدي على كل الآخرين وتكلف العالم بسببها المزيد من الدماء ولا تحتاج لإطار’ديني’ يضفي شرعية على وحشيتها ومجازرها ونهبها لثروات فلسطين وعلى الطغمة الإستعمارية فيها .
لذلك سيدفع اليهود انفسهم في العالم ثمن المغامرة الجديدة وسيجدون أن الكيان الذي يحمل صفتهم الدينية تسبب بكشف ظهرهم اما الجميع في الكرة الأرضية مما يلحق ضررا بالغا في فكرة التعايش بين البشر.
كما تحول مليون ونصف المليون روسي سبق ان أملوا في ‘أرض الميعاد’ إلى منبوذين ومجرمين وأشخاص تنتزع منهم صفتهم الدينية ويتم تكفيرهم من قبل غلاة الإستيطان ويتم تهميشهم وإقصاؤهم والتعامل معهم كمروجين للرذيلة ومواطنين من درجة ثانية في واحة الديمقراطية العبرية المزعومة ..كما حصل ذلك سيحصل مع يهود العالم الذين ينبغي لهم التوحد للتخلص من الخلية السرطانية التي تتحدث بإسمهم وتسعى لوهم الدولة التي كانت قومية ثم ستصبح دينية.
لا يستوي الكلام عن دولة يهودية مع فكرة الديمقراطية والإختبار كبير في السياق للكون برمته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق