بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 يناير 2014

بحثا عن الحقيقة وراء قصف المدن وتهجير السكان بالعراق هيفاء زنكنة

لنبدأ بتلخيص الصورة الرسمية في داخل وخارج العراق: نظام نوري المالكي، أمين حزب الدعوة ورئيس الوزراء (من بين مناصب عدة)، يستغيث بامريكا متوسلا التزود بالاسلحة المتطورة، لتخليصه من ارهاب داعش (دولة العراقالاسلامية في العراق والشام). وزير الخارجية زيباري يبلغ أمريكا، رسميا، بان العراق بحاجة اليها في مجال التحليل المخابراتي والمراقبة ووجود المستشارين
(كأن اللجان الأمنية والعسكرية المشتركة غير كافية ). متحدث رسمي يطالب أمريكا بارسال فرق خاصة لمحاربة داعش. أيران تتبرع بالمساعدة لمكافحة داعش بينما تسارع روسيا الى تزويد النظام باسلحة ضمن واحدة من اكبر صفقات الفساد فضائحية، لمقاتلة داعش. 
النظام يعلنها حربا مستمرة داعيا الى تسجيل متطوعين لمحاربة داعش في ذات الوقت الذي يبلغ فيه عدد القوات المسلحة والشرطة والقوات الامنية وقوات سوات والفرقة القذرة ( الذهبية) الملحقة بمكتب المالكي مباشرة مايزيد على المليون. بالاضافة الى المليون، عجلت أمريكا بارسال صواريخ هيلفاير وطائرات استطلاع ومعدات اخرى طلبها نوري المالكي، كما تعد لتدريب جديد لقوات عراقية خاصة، في الأردن. وقال مسؤول عسكري أمريكي ان’مركزا للتدريب على العمليات الخاصة بالقرب من عمان هو أحد المواقع التي يجري دراستها’. وتبلغ ملهاة التصعيد، لمحاربة داعش، ذروتها حين يعلن وزير الدفاع الامريكي جون كيري بان داعش خطر على الامن القومي الامريكي، ويطالب المالكي بدعم العالم له لأنه يقود حربا شاملة ضد الارهاب ومن اجل انقاذ العالم كله. وأين هي داعش؟ نظام المالكي يقول انها في مدينتي الفلوجة والرمادي، بمحافظة الانبار، غرب العراق. وهي المحافظة التي احتضنت، مدة تزيد على العام، مع خمس محافظات اخرى، تظاهرات واعتصامات تميزت بسلميتها على الرغم من مهاجمتها من قبل قوات النظام، بشكل وحشي، عدة مرات وعلى الرغم من استهداف قادتها.
اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الهوسة الشعبية الشائعة بين المتظاهرين، في مختلف ارجاء العراق، هي ‘ كذاب نوري المالكي كذاب’، وان العالم لايزال يتذكر بوضوح أكاذيب وزير الخارجية الامريكي كولن باول، في الامم المتحدة، حول أسلحة الدمار الشامل، بالاضافة الى تلفيق توني بلير، رئيس وزراءبريطانيا، كذبته المشهورة حول قدرة نظام صدام حسين على تفجير بريطانياخلال 45 دقيقة، اذا ما تأملنا هذا وعشرات الامثلة الأخرى، كيف نتقبل مايقدم الينا جاهزا، منمقا، بجرعات يومية حول اسباب قصف وحصار أهل محافظة الانبار، غرب العراق، باعتبارهم ارهابيين؟ أليس اهل هذه المدن، ذاتها، من حارب ارهاب المحتل وأجبره على تغيير خططه في المنطقة والتي كانت تهدف الى التقدم نحو بقية ‘ مثلث الارهاب’ أي سورية وايران؟ أليس اهل هذه المدن من دفع قوات اكبر قوة عسكرية في العالم الى الجلاء بينما كانت تحالفات النظام تقيم الوليمة تلو الوليمة لقادة الاحتلال في مراكز احزابهم وبيوتهم وافراد عوائلهم ليكذبوا الآن، بلا حياء، بانهم من حرر العراق ؟
لنبحث في ركام التضليل الاعلامي وببغائية ‘ الحرب على الارهاب’ واعادة رسم خريطة المنطقة وفق التحالفات الاخيرة، عن الحقيقة . حقيقة من قاوم الاحتلال، حقا، وكيف اصبحت تهمة الارهاب، يطلقها نظام طائفي حتى النخاع، مقبولة كذريعة لمعاقبة اهل الانبار، جماعيا، الى حد الحصار والقصف والتهجير، المرة تلو المرة؟
تبين أحصاءات مركز بروكينز الإمريكي لمرحلة المقاومة العراقية المسلحة التي سبقت إعلان أمريكا الإنسحاب من العراق ( 2005- الى 2008) مايلي:
‘ أن معدل الهجمات المسلحة على القوات الإمريكية في العراق كله كان 106، في اليوم الواحد، أي بين الستين في بداية ونهاية الفترة الى 160 هجمة يوميا في 2007، قبيل إلإشارات الأمريكية عن نية الإنسحاب.
‘ كان نصيب محافظة الأنبار 19 هجوما في اليوم الواحد في المعدل، ووصل الى41 هجوما، يوميا، في أوج فترة المقاومة. ولا يزيد عليها الا بغداد التي شهدت معدل 33 هجوما في اليوم الواحد، ووصلت الى 58 هجوما يوميا في ذروتها بعد إنتقال ثقل المقاومة من الإنبار الى بغداد.
‘ لا يعني ذلك أن المقاومة في الإنبار كانت من أهلها وحدهم. فقد كانت ملاذا للمقاومين من جميع المحافظات، لأنها تشكل ثلث مساحة العراق، وتشمل الباديتين الشمالية والجنوبية، وبالتالي فهي مفتوحة على أهم المحافظات الوسطى وعلى حدود ثلاثة بلدان عربية، وهي حدود شكلية. كما كانت تاريخيا عصية على السلطة المركزية ببغداد سواء في العهد الملكي أو الجمهوري أو نظام البعث. ويذكرنا الأمر بلجوء كوادرالتيار الثوري الغيفاري، في الحزب الشيوعي، في الستينات والسبعينات، من بغداد الى الأهوار والى كردستان، حيث إتخذوها قواعد لهم بصرف النظر عن وجود القاعدة الإجتماعية أو الحاضنة لهم. فمما لا شك فيه ان بعض عشائر الأنبار تعاونت مع الإحتلال لكنها لم تكن السائدة في المحافظة.
‘ أن نصيب محافظة الأنبار من الهجمات المسلحة للمقاومة العراقية على قوات الإحتلال هوضعف ما جرى في جميع المحافظات الجنوبية مجتمعة، في حين أن سكانها هو ثمن سكان تلك المحافظات، و بضمنها البصرة وبابل، و هما المحافظتان الجنوبيتان الوحيدتان، تقريبا، اللتان شهدتا معارك ضد الإحتلال في فترة المقاومة المسلحة تلك. وواضح أن الإحزاب الطائفية والنفوذ الإيراني قد نجحا في إحكام السيطرة الإمريكية في المحافظات الجنوبية على خط التموين العسكري الإمريكي من الكويت الى بغداد على إمتداد مئات الكيلومترات، وأن المقاومين من المحافظات الجنوبية قد لجأوا الى بغداد والأنبار وبقية المحافظات الوسطى حيث الحاضنة الإجتماعية كانت اوسع والوضع الجغرافي ملائما أكثر، بضمن ذلك إنفتاح الحدود مع سوريا وقتها.
لقد استخدم النظام الطائفي الجيش والقوات الخاصة، في فترة الاحتلال العسكري المباشر، كدرع لحماية قوات الاحتلال. وهاهو يستخدمه ضمن ضجة اعلامية لامثيل لها لمحاربة اهل الفلوجة والرمادي الذين كانوا، حتى اسابيع قليلة ماضية، جزءا من حركة الاحتجاج السلمية، بذريعة كونهم ارهابيين وابناء داعش والقاعدة وغيرها من المسميات التي تجدها الانظمة القمعية مفيدة لتغطية جرائمها. فالمعروف ان العراقيين لم يكونوا يعرفون القاعدة واخواتها قبل الاحتلال وتنصيب حكومة طائفية بالوكالة، كما ان الشعب السوري لم يكن يعرف القاعدة وعشرات المنظمات ‘ المعارضة والجهادية السلفية والوهابية والارهابية’ قبل ان يقرر نظام الاسد ان تعذيب وقتل الاطفال وقصف واستهداف التظاهرات التي استمرت مدة تزيد عن الستة اشهر باكثر الاساليب تحضرا وسلمية، هو الاسلوب المثالي لمعاملة الشعب.
وها هي من جديد تتصاعد نداءات الاستغاثة الانسانية من داخل العراق. افادت دائرة صحة الانبار عن سقوط 357 ضحية بين قتيل وجريح حتى صباح يوم السبت وان بعض العوائل دفنت قتلاها في الحدائق المنزلية. آلاف العوائل المذعورة من الاقتتال والقصف والاعتقالات بالاضافة الى الحصار كعقوبة جماعية تعيش من جديد جحيم مغادرة بيوتها ومحيطها لتتعرض الى كل ما يتعرض له النازح من ضنك العيش وقلة الخدمات الصحية والاستغلال وتوقف تعليم الاطفال.
في وجبات مختلفة سرت على معظم المدن العراقية ذاق الاطفال والكبار مرارة الهجرة والنزوح الداخلي، وهو نسخة لما يحدث للسوريين. وهي الحالة التي اعتبرت في حينها نسخة لما مر به العراقيون منذ الغزو الوحشي. دائرة الخراب البشري والعمراني تتسع وتكبر، في حملة لامثيل لها، لقمع الانتفاضات والاصوات المحتجة المطالبة بابسط حقوق الانسان : حق الحياة بكرامة . لقد نجح النظام في تحويل المذهب الديني الى هوية طائفية تطغى على الهوية الوطنية ولتبرير مقاييس سلوكية عامة مقبولة، بضمنها العنف المشرعن، وساعده شركاؤه في العملية السياسية الى خلق هوية طائفية مقابلة، متعامين جميعا بانه حين لا يبقى في الوجه الانساني خد يتلقى المزيد من الصفعات، من المهمشين من ابناء الشعب، للدلالة على الصبر والتسامح، لا يبقى للعقل كابح يردعه. حينئذ يسود الجنون ليصبح لغة التعامل اليومي بين ابناء الام الواحدة. حينئذ، لنقرأ على البلاد وشعبها الفاتحة. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق