بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 يناير 2014

◘ النّفوس، الرؤوس، الفؤوس أدونيس

ـ 1 ـيهاجمون فيروز: يقطعون الأشجار التي يتفيّأونَها.
ـ 2 ـ ثورة عربيّة؟لم نعرف نحن العرب في تاريخنا كلّه ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
الثورةُ قطيعةٌ على جميع المستويات: ثقافيّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة. قطيعة تؤدّي إلى تغيير المجتمع وبناء مجتمع جديد.
لقد ابتذلنا، في الممارسة، مفهوم الثورة، وأفرغناه من دلالاته الإنسانيّة والثقافيّة والاجتماعيّة. حوّلنا الثورة نفسها إلى ممارسات تدميرية ووحشيّة.
ابتذلنا، سابقاً، مفهومات كثيرة أيضاً: القوميّة، الوحدة العربية، الاشتراكيّة، الحداثة،...إلخ. كأنّ البلدان العربية مجرّد «مصانع» للتقليد والتزييف.
صار لزاماً علينا أن ندرس من جديد معنى «الفعل» في اللغة العربيّة، بدءاً من فعل «ثار»، إذا كنّا لا نزال نتمسّك بلغتنا، خصوصاً بالعلاقات المعرفيّة والإبداعيّة والجماليّة بينها، من جهة، والعالم وأشيائه، من جهة ثانية.

ـ 3 ـ

لماذا يتكاثر، خصوصاً عندنا نحن العرب، الاعتقاد الكامل بأفكارٍ واتّجاهاتٍ ليست في التجربة والبرهان، إلاّ نقصاً كاملاً؟

ـ 4 ـ

الإيديولوجيّة والدّين عاملان أوّلان في بناء المُشترَك الثّقافيّ العامّ. لكن، هل في هذا المشتَرَك العامّ، غير الدّخان والضّباب؟ أليس القرنُ المنصرم شاهداً لا يُدحَض؟

الحقيقة، النّور، الفكر، الفنّ... هذه كلّها في مكانٍ آخر، وخارج المشتَرَك العامّ.

ـ 5 ـ

ثقافيّاً، طولَ القرن الماضي، حوربت فكرةُ العدميّة بفكرة اللانهاية. أليس علينا، في ضوء هذه الحرب ونتائجها، أن نسأل اليوم:

أهي لانهاية العدميّة، أم هي عدميّة اللانهاية؟

ـ 6 ـ

أدّى تطوّر الأدب فـــي العصر الراهن إلى أن يصبحَ صوتاً قبل أن يكون لغةً. لكن أهناك صوتٌ في الأدب إذا لم يكن، في المقام الأوّل، لغةً؟

ـ 7 ـ

ثقافة المشتَرَك العامّ:

كلّ شخصٍ يمكن أن يحلّ محلّ شخصٍ آخر.

وهذا من الأخطاء العمياء القاتلة.

لكلّ شخصٍ هويّته. وإذاً سيكون العملُ الذي يُسنَد إليه، مختلفاً عنه عند الشخص الذي أُزيحَ لكي يحلّ محلّه. فهويّة العمل تابعةٌ لهويّة العامل.

كلاّ لا يمكن شخص أن يحلّ محلّ شخصٍ آخر، إلا إذا نظرنا إلى الأشخاص، بوصفهم حصراً مجرّد آلات.

والمأساة - المهزلة هي أنّنا، حتّى داخل هذه الثقافة المشتَرَكة الآليّة، لا يستطيع أحدٌ أن يقول بحريّة وطمأنينة: نعم، حيث ينبغي، أو أن يقول: لا، حيث ينبغي كذلك.

نعيش في بيوتٍ ليست إلاّ ظلالاً،

ونتحرّك في صحونٍ تتحرّك في أيدي ملائكةٍ حرّاسٍ،

أو نعيش كأننا لا نعيش.

نعم، يا ابْنَ المعرّة، يا أبا العلاء:

«الأرضُ للطّوفان مُحتاجَةٌ

لعلّها من دَرَنٍ تُغسَلُ « .

ـ 8 ـ

المدرسة الأولى التي نحتاجُ أن ندخلَ إليها جميــعاً، نحن العرب، نساءً ورجالاً، أطفالاً وشبّاناً وشيباً، هي مدرسة الزّمن. ليس لأحَدٍ منّا الادّعاء بأنّه يعرف حتّى الألفباء في هذه المسألة. فلا نزال، اليوم، في القرن الحادي والعشرين، نعيش ، نقرأ ونكتب ونحارب ونصالح ونسكن، في مدنٍ ليست إلا خياماً في بيداء القرن السادس.

ـ 9 ـ

كلّ ليلةٍ، قُبَيلَ أن أنام، أسأل حياتي:

ماذا قُلتِ، اليوم، للموت؟

كلّ نهارٍ، تسألني حياتي:

ماذا قالت لك الشمسُ، هذا الصّباح؟

ـ 10 ـ

يُقالُ له: ملاكٌ.

لماذا، إذاً، يمثّل دائماً على مسرح العالم،

دورَ الشيطان؟

ـ 11 ـ

حين يتكلّم نَهْرُ الحبّ،

لا يتكلّمُ إلاّ فيضاً.

ـ 12 ـ

زمنٌ عربيّ تبدو الحياةُ فيه كأنّها

ثَنِيّةٌ صغيرةٌ في ثوْب الموت.

ـ 13 ـ

ما هذا الوجود؟

نُمضي فيه أعمارَنا في أقلَّ من حياةٍ

وفي أكثرَ من موت.

ـ 14 ـ

لا يفاجِئني أيُّ شيءٍ في هذه الخريطة العربيّة،

حتّى لو كان رجوعَ «العرب العاربة» إلى صباها.

كم أنت قابلٌ وطَيِّعٌ

أيُّها الطّينُ العربيّ !

ـ 15 ـ

هل أنّ «قَدامةَ» العرب هي التي ضاعَتْ

في «حداثة» الدّين،

أم أنّ هذه الثانية هي التي ضاعت في الأولى؟

ـ 16 ـ

أيّهما الأكثرُ حضوراً في عالمنا العربيّ اليوم:

«مؤمنٌ» لا أخلاقَ له،

أم «مُلْحِدٌ» ذو أخلاقٍ عالية؟

ـ 17 ـ

هل صحيحٌ أيّتها اللغة العربيّة - الأمّ،

أنّ العقلَ أقسمَ بين يديكِ،

أنّه لن يمدّ يدَه بعد الآن إلى الدّين؟

ـ 18 ـ

عصْرٌ يسكنُ في بيتِ عنكبوت.

ـ 19 ـ

شاعرٌ داهَمَتْه ظلمةُ المَعْنى

فيما كان آخذاً بالعزْف على أرغُن الصورة.

إنّها البقرة:

هي التي تسبق، اليوم، عِجْلَها إلى الضّرْع.

ـ 20 ـ

فضاءُ طبيعيٌّ بصيرٌ

يديرُه عنفٌ إنسانيٌّ أعمى.

ـ 21 ـ

كيف يحقّ لك، أنت الرائي الحكيم،

أن تشربَ مرّةً ثانيةً من الماء الآسِنِ نفسِه؟

وكثيراً ما كرّرتَ علينا هذا القول:

القضايا الكُبرى، كمثلِ النّصوصِ الكبرى،

تصغُرُ في العقولِ الصّغيرة.

ـ 22 ـ

دخانٌ يتصاعدُ

في أشكال شرائعَ وكتُبٍ تمحو الرؤوسَ

وتمجّد الفؤوس.

ـ 23 ـ

سؤالٌ يطرحُه الشاعرُ على صديقهِ زائرِ الغَيْب:

هل يمكن أن تكون الكلمةُ مرئيّةً - مقروءةً،

في استقلالٍ كاملٍ عن أيّ حاملٍ -

أو عن الحبر والورقة؟

أليست الكلمةُ إذاً، صورةً بالضرورة؟

ـ 24 ـ

جُنَّ الحجابُ هُياماً،

بالوجه الذي يغطّيه.

ـ 25 ـ

شيّخَ ورقُ الوَرْد،

وأخذَ يتوسّلُ الرّيحَ لكي تسمح له

بأن يستسلمَ لها، ويسافرَ في ظلِّها

أنّى شاءت، وكيفما شاءتْ.

ـ 26 ـ

إنّها الشمس،

تزركشُ، وهي تَغرُبُ، سجّادةَ الغيم.

ـ 27 ـ

أيّامٌ -

كمثلِ أجراسٍ ترنُّ في عنق الوَقْت.

ـ 28 ـ

هو «صيّادُ النّجوم»، كما يصفُ نفسَه.

ليته يقولُ لنا: لماذا لا يبدأ رحلةَ الصّيد

إلاّ عندما تُشرقُ الشّمس.

ـ 29 ـ

أخذَ الإسمنت في بيروت (وأخواتها العربيّات) يبتكرُ أجساماً مجهولةً يحتمي وراءها من قنابلَ وصواريخ مجهولة.

أمّا الحكيمُ، المُدبِّر، الأبُ، الإنسان، فقد تـطوّر على نحــوٍ غريبٍ يستنكره حتى المعلِّمُ الأوّلُ أرسطو الذي كان عرّفَه، سابقاً، بأنّه «حيوانٌ عاقل». ويُقال إنّ هذا المعلِّم غيّر رأيَه، ووضع له تعريفاً آخر هو: «الإنسان حيوانٌ قاتل».

وبين هذين التّعريفيْن يحتدمُ الخِلاف حول مشكلةٍ مُلِحَّةٍ هي كيف يتمُّ إقناعُ الذين ماتوا والّذين لم يموتوا أنّ القنابل التي آمنوا بها، ليست كما يعتقدون، رمّاناً.

مع ذلك لا يزال بعضهم جادّاً في البحث عن فمٍ يقول الحقيقة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق