بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يناير 2014

قرية يوسف القعيد تتصوف محمد علي فرحات

مقطع من لوحة لأمين الباشاالاثنين 20/1/2014: لا تنتهي القصص
لا تنتهي القصص أبداً. نحكيها ونعيد، فيختلف الحكي الثاني،ولايشبه الثالث ما سبق. لا تنتهي القصص. إنها تتجدد.وتدور القصص في ملعبين، المكان والإنسان.

في الروايات الأوروبية القديمة عن الشرق نتابع البطل الأشقر ولا
نرى غيره رئيسياً. يكاد يحجب المكان حين يتحرك فيه، أو أن المكان مجرد إطار لحركته، زينة أحياناً. مكان أخرس يتحرك سكانه ولا ينطقون. ربما قرقعة أشياء وأصوات حيوانات عابرة. وفي معظم الحالات يتمثل أهل المكان الأصليون بخادم مطيع أو بامرأة تبيع بضائع مغشوشة، أو براقصة في حانة أو في حلقة موسيقيين شعبيين. وفي بعض الحالات يصور الروائي رجلاً متجهماً يخفي أسرار أهل المكان أو نياتهم المجهولة أو خوفهم الذي قد ينفجر بشرّ.

في الروايات الغربية الحديثة، تحديداً منذ أدب ما بعد الكولونيالية، يندرج البطل الأوروبي في المكان الشرقي، يصبح جزءاً من نسيجه الملون، كأنه نقيض يبرز النقائض الأخرى ويحييها.

لا تنتهي القصص أبداً. النهايات على الورق ليست حاسمة في الحكي، إنها تخصّ كاتبها وحده. أما القارئ فتبقى قراءته مفتوحة على ما يأتي أو لا يأتي.

يقول البطل: اطلقي النار، ستسدين إليّ معروفاً. لكنها تعجز عن قتله ويمتلئ المكان بعطر الحب. إنها الحكاية في وجهها الوردي.



> الثلثاء 21/1/2014: «مجهول» يوسف القعيد

مصر يوسف القعيد هي القرية الكبيرة، حيث الفلاحون الكثر والتجار القلة، وأقلّ منهم ممثلو الدولة العسكريون والمدنيون. القرية البعيدة عن القرار السياسي في العاصمة وفي المدن الصغيرة المسماة «البنادر». بعيدة عنهم وتتوجس، حتى إذا زارها أحد الكبار يبعث الخوف في البشر والشجر والحيوان. فكيف إذا هبط في محيطها، كما في كابوس، ما يشبه طائرة هليكوبتر ينزل منها الرئيس وأعوانه ذوو النظارات السود، ويعقدون اجتماعاً في الهواء الطلق، وبعد الانفضاض وصعود الطائرة وابتعاد السيارات تختفي فتاة حسناء، تماماً بعد أسابيع من اختفاء أبيها، لتلحق بهما الأم في آخر الرواية، إلى «المجهول».

رواية يوسف القعيد الجديدة «مجهول» (سلسلة «روايات الهلال» المصرية - أيلول/ سبتمبر 2013 - العدد 776)، تفتح الستارة على مصر الآن، من خلال القرية، خزين الشخصية المصرية، المعرضة للتوظيف الإيديولوجي العابر، لكنها تبقى في النهاية وحيدة مع خزين لم يقرأه أحد قراءة صحيحة.

تطرح القرية سؤال الترقب، من دون أن تدرك عناصر سؤالها وإلى أين تتوجه لتحصل على الجواب. نحن أمام صاحب المحل التجاري الرئيسي في القرية الذي يختلف عن الفلاحين الآخرين بتجربة مدينية ما. يبدو كمن استوطن القرية من دون أن نعرف من أين أتى أو أتى أهله، ويظهر استيطانه في هندسة خاصة لبيته تتيح صالة لاستقبال ضيوف عديدين. بيت وجيه أكثر مما هو بيت تاجر صغير. أما زوجة التاجر فامرأة غريبة عن القرية تحرص على تمايزها، ويبدو ذلك في إعدادها أطباقاً للطعام لا تعرفها الفلاحات، وفي إتقانها معاشرة الزوج كما لا يتقنّ معاشرة أزواجهن، وهذه الحقيقة يتداولها همساً المتنصتون ليلاً تحت نوافذ بيت التاجر.

والقضية التمهيدية في الرواية هي أن التاجر لم ينجب صبياً. ليس من جديد هنا سوى مهارة يوسف القعيد في عرض هواجس الرجل وزوجته والوريث لا يأتي، وتبقى في البيت الواسع صغرى البنات الفائقة الجمال والرجل والزوجة وشبح انتظار الوريث، ويزداد الإحساس بالفقد حين تزور البيت الفتيات المتزوجات مع رجالهن وأبنائهن فيملأونه حضوراً وطمعاً في أموال وأراض بعد انقضاء أجل الأهل.

وحدها الفتاة الجميلة تزداد سحراً وغموضاً في بيت الانتظار وترفض الزواج بمن يتقدمون إليها.

بعد القضية التمهيدية يبدأ الحدث الروائي باختفاء الأب، ثم باختفاء الابنة الجميلة، وانصراف الأم الوحيدة للبحث عنهما. هنا تتميز الرواية بجمع المتناقضات: بين الواقعية والسحر، بين سطوة الغياب وضغط الحاضر على امرأة وحيدة. ويقدم يوسف القعيد نمطين من النهاية لسرده الروائي. واقعي يفشي سرّ اختفاء الابنة ويبقي على سرّ اختفاء الأب، وتخييلي يشبه رحلة في مراتب تصوف جمعي لا فردي، على رغم أن معظمه يدور في صعود جبل السرّ، أو جبل الجريمة، في القرية المصرية السهلية. في هذا المدى الواسع من الشطح المدروس، يقدم يوسف القعيد نمطاً جديداً من استلهام التصوف في عمل روائي واقعي، بل هو تشيخوفي بامتياز، مطوراً أعمالاً عن القرية المصرية رسخت اسمه بين الروائيين المصريين، وليست للنسيان الفتاة الجميلة «أحمده» التي اختفت مخلفة في خزانتها حبوباً لمنع الحمل وبنكنوت عملة صعبة تكفي لشراء القرية كلها. لقد اغتصبت القرية باغتصاب الفتاة.



> الأربعاء 22/1/2014: طه حسين مجدداً

طه حسين، شخصية العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أعيد طبع عدد من مؤلفاته لاستعادة مواقفه الفكرية ومقارباته الأدبية، ولكن غابت عن الجهة المنظمة إعادة طباعة كتابه «الفتنة الكبرى»، على رغم أن الثقافة المصرية تعيش هذه الأيام في ضبابية القراءات المتعسفة لفجر الإسلام والتي يتم توظيفها في تجييش الأبرياء وتشويه الإيمان ومنع المجتمعات من التقدم.

«الفتنة الكبرى» لطه حسين وصفة ثقافية تضع العقل حاكماً في مقارنة الروايات التاريخية المتعارضة، وتحرص على سلامة الإيمان الإسلامي من أشواك التاريخ الطالعة من أطماع وعصبيات.

وكان طه حسين، في وجه من وجوهه، مناهضاً لتوظيف مقاطع من مدونات التاريخ الإسلامية في مجال السياسة التي تدير شؤون مجتمعاتنا الحاضرة، وعدم الاهتمام بالروحية الأخلاقية للإيمان الإسلامي. لذلك توجهت إليه سهام الإخوان المسلمين فأثخنته حياً وميتاً، من دون وازع من نقد وعقل وضمير. ولذلك حقّ له أن يكون شخصية العام في مصر مجيباً بالعقل عن أسئلة الإسلام وحافظاً الإيمان من دنس العصبيات والجهالات المسماة سياسة.

عن الدار العربية للطباعة والنشر في القاهرة صدر في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1993 كتاب «طه حسين، مطلوب حياً وميتاً» لمؤلفه علي شلش الذي توفي قبل أيام من صدور كتابه، وفيه نقرأ «مجازر» التحامل على طه حسين فنشعر بأهمية عمل علي شلش كما بأهمية إعادة طبع «الفتنة الكبرى».



> الخميس 23/1/2014: بلا موعد

لن تلبي الموعد ويمكنني تقدير السبب. ليس انشغالاً بالعمل ولا مرضاً، انه خشية الانكسار. فكيف تقابلين زائراً حين تتناهش بلدك ذئاب بشرية؟ وماذا إذا دعوته إلى دار للكتب أو متحف وحدث تفجير؟ لم تألفي مثل هذه الأخطار في مصر ولا تريدين له أن يألفها.

في القاهرة الفاطمية أو الأوروبية أو العربية لا تجدان مكاناً. فلتنصرفا إلى لقاء الصوت والصورة، تتعاليان على الأمكنة حتى الوصول إلى التجريد، عالم المحو. وهناك، لا لقاء لطرفين غير محسوسين.

لن أخسر الأمل، فاللقاء تأكيد لوجودنا في الافتراق كما في اللقاء، نفرش سجادة الخيال ونضع القهوة على الطاولة ونتبادل الكلام حتى التنهد، قبل أن نطل من شرفتنا على جماعات تتبادل السباب والضرب والرصاص، ونلمح من بعيد ضحكات لا نسمعها جيداً، وكفاً تضرب بكف أسفاً أو تصفيقاً. الرؤية لا تكفي لمعرفة مشاعر الشهود البعيدين.

أترك وردة على الطاولة وتتركين سؤالاً، قبل أن أعود إلى وطني حيث أركض يومياً بين قنبلة وقنبلة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق