بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 يناير 2014

مصر السيسي وتوريط جزائر بوتفليقة ‘أخلاقيا’ توفيق رباحي

زيارة وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، للجزائر الاسبوع الماضي إشارة على العزلة التي تعيشها السلطات المصرية المنبثقة عن انقلاب الثالث من تموز (يوليو) الماضي.
لأول مرة تجد مصر نفسها هي المحتاجة وليست مَن يحتاج لها الآخرون.مصر اليوم معزولة إلا من تأييد خليجي ناقص وأردني لا يفيد كثيرا. هي مُحاصَرة شرقا من غزة، الشوكة الأزلية، ومن

إسرائيل ‘اللاعدو واللاصديق’. وجنوبا من السودان الذي لم يكن يوما حليفا حقيقيا لها. ومن الغرب من ليبياالمضطربة والتي لدى سلطاتها حنق من وجود بعض أركان العقيد معمر القذافي في القاهرة وبثِّ بعض القنوات التلفزيونية المؤيدة لهم من هناك أيضا.
وبالنظر إلى وضعها الداخلي الهشّ والمتوتر، فهي تتوقع البلاء من أي من هذه الجهات، قصداً أو عن غير قصد.
أبعد قليلا، مصر ليست على وئام مع السلطات التونسية المنبثقة عن ثورة 2011، بإسلامييها وطيف من علمانييها يتقدمهم رئيس الدولة المنصف المرزوقي. كما أنها لا يمكن أن تكون على ودّ مع المغرب وفيه حكومة تُعتبر حليفا طبيعيا للإخوان المسلمين، حتى ولو كان الحل والربط الحقيقيَين في يد الملك محمد السادس.
لم يبق للسلطات المصرية غير الجزائر، التي وإن بدت العلاقات معها، ظاهريا، غير قوية، إلا أن نظامي الحكم في البلدين يتشابهان كثيرا ويستطيعان الالتقاء في نقاط مشتركة عند الضرورة.
بحسب كثير من التقارير، ذهب فهمي إلى الجزائر طالبا مساعدتها لدى الاتحاد الإفريقي. الهيئة الجديدة التي صادق قادتها ذات يوم على عدم الاعتراف بالحكومات المنبثقة عن انقلابات عسكرية.
مصر بحاجة، أكثر من أي وقت سابق، للاتحاد الإفريقي. إفريقيا هي عمقها الأمني والاستراتيجي ومنطلق نهر النيل، ولا يمكنها أن تبقى معزولة عما يدور في هذا العمق. كما أن الإتحاد، عند كسب ثقته، يمكنه أن يدافع عنها أمام المحافل الدولية التي لا تعترف صراحة بالسلطات الجديدة في القاهرة، حتى وإن واصلت العمل معها.
هنا مثلا، نقطة التقاء بين الجزائر والقاهرة: مصر محتاجة لوسيط، والدبلوماسية الجزائرية مولعة بالوساطات ولها رصيد يمكن أن يـُستغل.
لكن هذه المرة اختلفت الأمور، فالوساطة مطلوبة لدى جهة أقرّت مواثيقها عدم الاعتراف بالانقلابات وما يترتب عنها من حكومات. وقد علـّق الاتحاد عضوية مصر منطلقا من هذا البند.
أسوأ من ذلك أن الجزائر كانت من أشد المدافعين عن هذا البند عندما طُرح للنقاش داخل الاتحاد الإفريقي، منطلقة من كونها من الدول الإفريقية القليلة التي يجري فيها التداول على الحكم بسلمية، وكانت لتوها خارجة من تجربة انتخابات أوصلت بوتفليقة إلى الرئاسة. بغض النظر عما شاب تلك الانتخابات من نقائص، يكفي أنها خلت من صوت الرصاص وسفك الدماء. بالمقاييس الإفريقية تلك قمة الديمقراطية.
هل ستدافع الجزائر عن القاهرة لدى الإتحاد الإفريقي؟ هذا السؤال هو الذي يضع السلطات الجزائرية في ورطة، لأن الخوض في أي وساطة يعني تناقضها مع ما دافعت عنه بالأمس القريب. وعدم الخوض فيها يعني أنها تخلت عن صديق لجأ إليها في لحظة ضيق، وهي التي سبق لها الاستنجاد بحلفاء وأصدقاء، في ظروف مشابهة جدا، غداة انقلاب كانون الأول (يناير) 1992. (علي كافي أمضى في 1993 عشرة أيام في القاهرة وهو رئيس الدولة الجزائرية، دون أسباب واضحة للرأي العام).. بل سيكون ذلك بمثابة تخلٍ عن صديق يشبه السلطات الجزائرية كثيرا وهو الأقرب إليها في محيط إقليمي متوتر ومعادٍ للإثنين. الجزائر ومصر اليوم يتقاسمان نفس المخاوف والأعداء تقريبا، حتى وإن كان الإخوان المسلمون في الجزائر على وئام مع السلطات.
على الصعيد النفسي، يعني عدم التوسط لمصر تفويت فرصة يحفظها التاريخ فيقال يوما ما إن الفضل في فك الخناق الدبلوماسي على مصر، إفريقيا، يعود إلى الجزائر. علاوة على أن المساحة الوحيدة التي يمكن أن تتوسط فيها الجزائر هي إفريقيا.
وعدم التوسط يعني أيضا تفويت فرصة دين في رقبة القاهرة يبقى ملازما إياها يذكّرها بصاحبه.
هناك أيضا ‘إزعاج’ داخلي، وإن كان بلا تأثير يـُذكر، من بعض الأحزاب الجزائرية، وخصوصا الإسلامية، التي أعلنت فور الكشف عن زيارة فهمي أنه لن يكون مرحبا به وأن على السلطات الجزائرية عدم استقباله. (تنويه: بعض هذه الأحزاب، ومنها ‘حمس الإسلامية، أوفدت كبار قيادييها إلى الخارج للدفاع عن السلطات الجزائرية المنبثقة عن انقلاب 1992، في مهمة موازية ومكملة لجهود وزارة الخارجية، تشبه تماما الدبلوماسية الشعبية التي تقوم بها أحزاب ومنظمات مصرية اليوم موازية ومكملة لجهود فهمي. هم قالوا آنذاك إنه ليس انقلابا بل إنقاذا للبلاد، والمصريون يقولون اليوم إنه ليس انقلابا بل ثورة شعبية ضد حكم الإخوان).
كل هذه الضغوط انتصبت أمام وزير الخارجية الجزائري، رمطان العمامرة، الأسبوع الماضي وهو يقف إلى جانب نظيره المصري مرحِّبا به.
بدا الوزير بمزاج غير مستقر ومشاعر مختلطة. ما دفعه ربما إلى التصريح أولاً بأن الجزائر تعترف بالدول لا أنظمة الحكم (وهل هناك دول بلا أنظمة حكم؟)، ثم بأن السياسة الخارجية الجزائرية في يد الرئيس بوتفليقة، وبأنها تخضع لاعتبارات استراتيجية. ما معناه أن الرئيس هو الذي وافق على استقبال الوزير المصري في البلاد وفي إقامته، رغم المرض، وهو الذي يقدّر هذه ‘الاعتبارات الاستراتيجية’ التي لن تخرج عن تشابه نظامَي الحكم وشعورهما بالقرب من بعضهما وسط الأمواج العاتية التي تعصف بالمنطقة العربية.
وأخيرا وفّق الوزير الجزائري بعض الشيء في الحفاظ على ثقة الطرف المصري عندما رفض مناقشة شؤون مصر الداخلية، وعندما ذكّر بأنها لا تـُعامل مثل ‘اي دولة كانت’ بدليل أن الإتحاد الإفريقي، وهو يعلق عضويتها، نصّب لجنة يقودها رئيس مالي السابق ألفا عمر كوناري لمتابعة وتشجيع عودة مصر إلى وضعها الطبيعي.
ربما عاد فهمي إلى بلاده من الجزائر بوعود لا يمكن اعتبارها انتصارا، لكنه عاد غير منهزم أيضا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق