بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 يناير 2014

الكويتية ريم الميع: بعض الكتاب يكتبون أمانيهم لا واقعهم - إيمان الخطاف

بعد زيارتها معتقل «غوانتانامو».. كتابها الأكثر مبيعا في معرضي الكويت والدوحة يمكن وصف الكويتية ريم الميع بأنها كاتبة «مشاغبة» من طراز نادرخليجيا، ليس لأنها أول صحافية عربية وأول كويتية تدخل معتقل غوانتانامو
في كوبا عام 2003. بل لأن الميع لم تكتف بتوثيق هذه المغامرة بأعمال صحافية، بل قررت الدخول إلى عالم التأليف والكتابة من خلال رصد تفاصيل زياراتها الملغومة، في كتابها الأول، الذي صدر مؤخرا عن دار «مدارك»، تحت عنوان «كويتية في غوانتانامو».

ورغم حداثة كتابها فإنه حقق انتشارا لافتا، إذ جاء ضمن أكثر الكتب مبيعا في معرض الكويت للكتاب ومعرض الدوحة للكتاب اللذين أقيما خلال الشهر الماضي، وهو ما جعل الأنظار تلتفت لهذه الكاتبة الشابة التي زاحمت كبار الكتاب من خلال مؤلفها الأول، الذي حمل في جنباته تفاصيل مرحلة حرجة في تاريخ المواطن العربي، رصدتها بعينها الإعلامية ومزجتها بروح أدبية ساخرة أحيانا، وموجعة في أحيان كثيرة. هنا حوار مع الميع عن هذه التجربة:
* خرجتِ من عباءة الصحافية، وارتديتِ معطف الكاتبة المؤلفة.. كيف ترين موقعك الجديد؟
- من تجربتي المتواضعة والمحدودة أرى الكاتب أكثر نرجسية من الصحافي، هو يكتب باسمه لا باسم صحيفته، يفرض رأيه الشخصي على قارئه ولا يصنع خبرا لقارئه، وهو أكثر حظوة لأن من يقرأه؛ يقرأه لأجله لا لأجل جريدة اعتاد قراءتها، وفي موقعي الجديد أرى ألقا أتمنى أن أستحقه وقلقا يملأني منه عليه.

* كتابك جاء ضمن أكثر الكتب مبيعا في معرضي الكويت والدوحة للكتاب خلال الشهر الماضي.. ما السر؟

- أنا أيضا لا أعرف السر وأتمنى لمن يعرفه أن يفشي به إلي، كان كتابي الأول ولكن حفاوة الجميع أشعرتني بأنه الكتاب الأول، فعندما كتبت جريدة «الرأي» التي عملت بها صحافية نحو عشر سنوات افتتاحيتها عن الكتاب وعني بعنوان كويتية في غوانتانامو قرأتها وأنا أبكي. في البدء شعرت أن الحفاوة بي وبعودتي إلى عالم الإعلام أكبر من الحفاوة بكتابي، ولكن معظم من التقيتهم لاحقا في معارض الكتاب يعرفون كتابي ولا يعرفونني ما أعاد لي التوازن وأزاح عني ذعر البداية.

* حضور المرأة في أدب السجون ضعيف نسبيا.. كيف توغلتِ إلى هذا العالم؟

- لا أعرف كيف تسلل لي هذا العالم، بشكل يشبه تعبير الأمير بدر بن عبد المحسن في إحدى قصائده: «أنا سجين الحال مهما تسليت وأنا الطليق وكل شي قضبني!».. أردت أن أخرج من سجن الذات بالكتابة عن سجن، كتبت عن السجن لأخرج من سجن الذات لسنوات توقف فيها قلمي عن الكتابة وهي بمثابة توقف قلبي عن النبض ورئتي عن التنفس، كنت أريد أن أحلق على الورق، لذا كان التصنيف الذي أصررت عليه: مشاهدات ويوميات، ولا أستطيع تصنيفه كعمل أدبي يندرج تحت بند أدب السجون، مثلما يندرج عمل مليكة أو فقير، أو حتى أدب الرحلات أو عالم الرواية، وما أعتبره محاولة من فتاة تنتمي إلى جيل يكاد لا يقرأ؛ أن تجذب جيلها للقراءة، وهكذا توغلت إلى عالم كتابة هذا الكتاب، كتبته ليجذبني أنا وأقرأه أنا؛ فوجدت كثيرين يشبهونني جذبهم وقرأوه مثلي.

* تقولين (الكتابة توثيق والتوثيق تاريخ، لذا نستطيع أن نزوّر التاريخ، لأنه محض كتابة!).. إلى أي مدى أنتِ راضية عن رصدك في هذا الكتاب؟

- أقل من رضاكم عنه، كعادتي، فدوما يكون رضا الغير عما أكتب يفوق رضاي عما أكتب، أنا أصنف نفسي «مشخبطجية» وأصف كتاباتي بالشخبطة، وعند الحديث عن الكتاب يلاحظ بعض المقربين، رغم النجاح الذي حققه ورغم أن هذا النجاح فاق توقعاتي، أن في نبرة صوتي شيء من الخذلان لأنني أعتقد أن في الإمكان أفضل بكثير مما كان.

* تجارب كثير من الكُتاب العرب في التوثيق غير ناضجة وتغلب عليها العاطفة.. أين الخلل؟

- أعتقد أن البعض يكتب تمنياته لا واقعه، يكتب رأيه، وجهة نظره، فالمقولة الأكثر واقعية أن «التاريخ يكتبه المنتصرون»، لذا أردت أن أكتب تاريخ فتاة مهزومة في زمن وصفه الشاعر فهد العسكر بالبيت التالي: «البلبل الصداح يهوي والغراب على الغصون».. وربما كانت أنوثتي سر تغلبي على عاطفتي فالمرأة موصومة بطبعها في كل شيء وبالأخص عاطفتها، ما جعلني أقسو على نفسي فأحيد عواطفي جانبا وأكتب لأرصد وأوثق في غالب الوقت وإن كنت أتهكم ساخرة بعض الوقت.

* كثيرون اعتقدوا أن وهج «غوانتانامو» انطفأ، حتى ظهر كتابك.. كيف تفسرين شغف القراء بهذا الموضوع؟

- أنا أيضا كنت أعتقد ذلك ولم أكن أنوي الخوض في الموضوع لولا إصرار الجميع حولي على الحديث عنه، وعندما لجأت إلى مؤشرات البحث في الإنترنت للتحديث على ذاكرتي وجدت ذاكرة الفضاء أضعف منها، ما شجعني على كتابة موضوع قديم بروح جديدة تتجنب التكرار الممل.

* السؤال الأكثر طرحا.. لماذا تأخرتِ في إصدار كتابك، بعد نحو 10 سنوات من زيارتك لـ«غوانتانامو»؟

- كما ذكرت قبل قليل، لم تكن لي النية لإصداره في الأساس، أغلقت صفحة غوانتانامو من حياتي عندما كتبتها خبرا على صدر صحيفة حققت به لها ولي السبق الصحافي، ولكن إصرار المقربين على إعادة كتابتها وتشجيع صاحب دار «مدارك» تركي الدخيل وهو من المقربين أيضا باطلاعي على تجربة مشابهة له عن تجربته في أفغانستان وثقها هو أيضا في كتاب «كنت في أفغانستان» بعد عودته بعشر سنوات، جعل الكتاب يأتي أخيرا بما لا تشتهي الكاتبة.

* كتابك يختنق بالأسى، وقلمك يتنفس حريّة.. كيف حققتِ هذه المعادلة؟

- بالمحاولة، وإن فشلت سأحاول من جديد، كنت أهيئ نفسي لفشل جميل يقودني إلى نجاح لاحق وفوجئت بنجاح أربكني، أعتقد أن العشق يجعل الحرية تنتصر على الأسى وتحققت المعادلة في أن كلينا، قارئي وأنا، نعشق الحرف العصي الذي ينزفه القلم على الورق فننطلق معا.

* كثيرون مروا بتجارب قد لا تتكرر.. كيف نحكم على التجربة في كونها صالحة للكتابة أم لا؟

- كل شيء صالح للكتابة، قد يكون ليس كل ما يكتب يُنشر وليس كل ما ينشر يُقرأ ولكن البقاء للأصلح، هذا باختصار المعيار.

* البعض يرى أن عنوان كتابك «كويتية في غوانتانامو» هو امتداد لظاهرة عناوين الكتب الجديدة التي تبدأ بذكر جنسية الكاتب.. ما تعليقك؟

- لم يكن العنوان من اختياري بل من اختيار الروائي عبد الوهاب الحمادي، ولكنه أعجبني واقتنعت به لأن فيه تعزيزا للهوية، كنت أريد تكريس جنسي في العنوان أكثر من جنسيتي، لكنه قدم لي توليفة متجانسة بين الجنس والجنسية.. لم أكن أعلم أنها تقليعة، لا تقليلا من شأن الكتب وأصحابها بل لقلة اطلاعي في الفترة الأخيرة كما أسلفت، فالقراءة دائما تحفزني على الكتابة وكي أسلم من الشرين أغمضت عيني كثيرا عن الكثير.

* توقفتِ عن الكتابة لفترات متقطعة، قلتِ فيها أنك «فقدتِ شهية الكتابة».. كيف يفتح الكاتب شهيته من جديد؟

- علاوة على أن القراءة تحرض على الكتابة فإن من يقرأ يفتح شهية من يكتب، يفتح الكاتب شهيته بالتواصل مع قرائه، لا يوجد كاتب لا يسعى أن يكون مقروءا وإلا لما نشر كتاباته، البعض منا تصنع المثالية، فانعزل وسئم دون أن يسأل نفسه: لماذا لا يقرأون لي؟ ففيها ألف مفتاح يفتح بها شهيته.

* هل أنتِ متحفزة لتكرار تجربة إصدار كتاب؟

- أنا متحفزة دوما لتجارب جديدة تتجنب التكرار الممل، أعيش حاليا في صراع خوض تجارب جديدة وتوثيق تجارب قديمة وأتمنى الخروج منه بأقل عدد ممكن من الخسائر.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق