بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 يناير 2014

◘ إعادة تنظيم العالم أم تقسيمه؟ عبدالعزيز التويجري

عنوان هذا المقال مقتبسٌ من العنوان الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للدورة الحالية التي يعقدها في دافوس في سويسرا. وقد تزامن عقد هذا المنتدى الدولي مع عقد مؤتمر دولي آخر، هو «جنيف 2»، الذي لم يعقد في جنيف، ولكن في مونترو السويسرية، وخُصص لإيجاد حل للأزمة السورية التي بلغت أقصى درجات التفاقم
المأسوية.وليس خافياً أن الأزمة السورية باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين، لأن أخطارها تعبر القطرَ السوري إلى آفاق بعيدة إقليمياً وقارياً ودولياً. ولذلك كان التفكير في معالجة الوضع المتردي المتدهور إلى أبعد الحدود في سورية، ضرورة إنسانية ومطلباً دولياً ومسؤولية يتحملها المجتمع الدولي، وبخاصة القوى العظمى التي تمتلك وحدها الوسائل لحل هذه الأزمة بما ينقذ الشعب السوري من المأساة المريرة التي يعاني منها منذ ثلاث سنوات.

وإذا كان منتدى دافوس يعنى بإنعاش الاقتصاد العالمي، فإن المفترض في مؤتمر «جنيف 2» أن يحقق الأمن الدولي، مما يجعل المحفلين الدوليين الاقتصادي والسياسي، يدخلان في إطار عام هو ما يعبر عنه عنوان دافوس هذه السنة: «إعادة تنظيم العالم»، على رغم وجود الاختلاف في الدواعي وآليات العمل وطبيعة المشاركين والأهداف المرسومة.

فهذا الاختلاف نستطيع أن نقول عنه إنه اختلاف من حيث الشكل العام وليس من حيث المضمون العميق، اعتباراً للقاسم المشترك بين دافوس ومونترو هذه السنة، الذي هو البحث عن مخارج من الأزمة العالمية، سواء أكانت هذه الأزمة مالية اقتصادية، أم سياسية أمنية؛ لأن من طبيعة الأزمة إذا ما استفحلت وتفاقمت وتطاير شررها على أوسع نطاق، أن تنعكس آثارها على المجتمعات الإنسانية كافة.

وليس من شك في أن العالم اليوم في حاجة إلى إعادة تنظيم. وورود لفظ «إعادة» في هذا السياق، يفيد بأن العالم كان قد عرف تنظيماً من قبل، أو عرف أشكالاً من التنظيم، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلى نهاية الحرب العالمية الثانية. ثم عرف أنماطاً أخرى من التنظيم في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، وهو ما عبّر عنه عهدئذ بالنظام العالمي الجديد.

ولكن العالم اليوم في حاجة الى تنظيم جديد للخروج من حال القلق والارتباك وعدم اليقين وضياع البوصلة لمعرفة الطريق نحو السلام والاستقرار على كل المستويات. فهل يمكن أن نبادر إلى القول إن إعادة تنظيم العالم تعني إيجاد نظام عالمي جديد؟ هل العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة يعتدل فيها قوامُ السلم الدولي، ويستقيم فيها الاختلال الذي يطبع العلاقات الدولية في هذه المرحلة الحرجة التي تجتازها الإنسانية؟

إذا تجاوزنا القضايا الاقتصادية والاجتماعية والمناخية التي هي موضوعات للمناقشة في منتدى دافوس هذا العام، فإن مؤتمر «جنيف 2» تمخض عن قرارات ضعيفة تطالب بالحوار بين الأطراف السورية المتحاربة للوصول الى اتفاق على تشكيل حكومة انتقالية. وهو الأمر المستحيل في ظل بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس النظام مع زبانيته من العصابة الطائفية الإجرامية التي يديرها ويحكم بها البلاد وتدعمه في ذلك إيران وروسيا والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية.

فلا يزال هذا النظام الإجرامي مصرّاً على موقفه المتعنت وشعاراته الكاذبة التي رددها وزير خارجيته المعلم في اجتماع مونترو والتي بينت إفلاسه سياسياً وأخلاقياً.

إن من الشروط الموضوعية اللازمة لإعادة تنظيم العالم، سيادة القانون الدولي، واحترام حقوق الشعوب في أن تحيا بكرامة وفي حرية وفي ظل العدالة الاجتماعية. فلا سلام عادلاً شاملاً في هذا العالم، ما لم تحترم القوانين الدولية بصورة عامة، وما لم تكف الدول العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، عن أن تكيل بمكيالين، وتغلّب مصالحها الاستراتيجية على حقوق الإنسان، وما لم تبادر إلى ردّ العدوان عن الشعوب الواقعة تحت الأنظمة الاستبدادية التي تنهج السياسات القمعية في تعاملها مع شعوبها. فالانتهاك الصارخ للقوانين الدولية، وتجاوز الشرعية الدولية التي يعبر عنها ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، تؤدي دوماً إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين، وإلى نشوب المزيد من الأزمات على مختلف المستويات، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي، بصورة أو بأخرى.

هناك تلازم وترابط بين الأمن الدولي والاقتصاد العالمي. ذلك أن استتباب الأمن يوفر الأسباب والمناخات الملائمة للإنعاش الاقتصادي، إنْ على المستوى المحلي، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالأزمة الطاحنة الناشبة منذ ثلاث سنوات في سورية، لا تؤثر في الاقتصاد الوطني والأمن الأهلي في سورية فحسب، ولكنها تؤثر، أو في طريقها إلى أن تؤثر في الاقتصاد والأمن في الإقليم وفي العالم أجمع، ما دام الخطر يأتي من سورية، ويهدد الاستقرار في مناطق أخرى عدة من العالم، وما دامت الدول العظمى القادرة على معاقبة النظام السوري الذي يرتكب جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية، لا تقوم بواجبها الأخلاقي والقانوني والسياسي.

فلا يصح أن تنصرف الجهود الدولية إلى إنعاش الاقتصاد العالمي، ولا تتجه نحو إقرار الأمن والسلم في المنطقة العربية المهددة بالأخطار الآتية من الأزمة السورية، وكذلك من الأزمة الفلسطينية، فستظل هذه الجهود محدودة التأثير، إن لم تتغير المواقف التي تتخذها القوى العظمى حيال هاتين الازمتين وتتعامل معهما، لا باعتبارهما أزمتين محليتين يعاني منهما الشعب السوري والشعب الفلسطيني فحسب، ولكن باعتبارهما أزمتين مستفحلتين ستفجّران المنطقة كلها ويمتد أثرهما إلى أبعد من ذلك.

إذا لم تتعامل الأمم المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، مع الأزمة السورية والأزمة الفلسطينية من خلال هذا المنظور، وبحسبانهما تهددان الأمن الدولي، فلا يرجى خير في أي مؤتمر لا قوة معه تحقق أهدافه. المطلوب الآن وبإلحاح شديد، هو إزاحة النظام الإجرامي في سورية بالقوة، ووقف تغول إيران وتدخلها سلباً في شؤون المنطقة، ولجم غطرسة إسرائيل واحتلالها الأراضي الفلسطينية. فبذلك يتم إنهاء معاناة الشعب السوري ومعاناة الشعب الفلسطيني، وتقديم مجرمي الحرب في سورية وإسرائيل إلى العدالة الدولية.

هذا هو المسار الصحيح والعادل الذي به يعاد تنظيم العالم على قواعد من القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وتمكين الشعوب من أن تعيش في أمن وسلام وفقاً لاختياراتها الحرة، وردع الاعتداء على كرامتها وحقوقها وأوطانها. والسؤال هو: هل المجتمع الدولي وفي مقدمه الدول العظمى جاد في إعادة تنظيم العالم وفق هذه المبادئ والقواعد، أم هو يسعى إلى تحقيق شيء آخر لا علاقة له بالتنظيم بل بالتقسيم؟

* أكاديمي سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق